للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَلِفِ بِذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَالْأَدَبُ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ حَرَامٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَلَا يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَالْجَائِزُ لَا يُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ حَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْأَدَبُ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَقَيَّدْنَا بِالْبَالِغِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّبِيِّ، وَبِالْعَالِمِ احْتِرَازًا مِنْ الْجَاهِلِ، وَبِالْمُعْتَادِ احْتِرَازًا مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ، فَإِنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَلِفِ بِذَلِكَ (وَ) مَعَ تَأْدِيبِ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ (يَلْزَمُهُ) مَا حَلَفَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ إذَا أَيْقَنَ بِالْحِنْثِ (وَلَا) تَنْفَعُ (ثُنْيَا) أَيْ اسْتِثْنَاءٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْحَالِفُ بَعْدَ تَلَفُّظِهِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.

(وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَنْفَعُ (كَفَّارَةٌ) كَمَا لَا تَنْفَعُ ثُنْيَا، وَمَعْنَى عَدَمِ نَفْعِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ (إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ) غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ كَالْعَزِيزِ وَالْبَارِي (وَصِفَاتِهِ) أَيْ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ الثَّمَانِيَةِ: الْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالذَّاتِيَّةِ احْتِرَازًا مِنْ الْفِعْلِيَّةِ كَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِهَا أَصْلًا.

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ: قَالَ التَّادَلِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِبَاحَةِ ك. قُلْت بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قُلْت وَالْأَوَّلُ، هُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ الصَّحِيحُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، كَالْيَمِينِ عَلَى إنْقَاذِ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ ظَالِمٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ، أَوْ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ.

[قَوْلُهُ: مُعْتَادًا] وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ، كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ فَيُؤَدَّبُ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِهِ، عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَزَوِّجًا وَعِنْدَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَهُوَ وَاضِحٌ.

قَالَ الشَّاذِلِيُّ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَعْتَادُوا، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِتْقِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَخَصَّهُ ابْنُ عُمَرَ بِالرِّجَالِ فَقَطْ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ النِّسَاءُ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ، لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالرِّجَالِ عج. [قَوْلُهُ: وَالْأَدَبُ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ حَرَامٌ إلَخْ] حَاصِلُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لِكَوْنِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ أَوْ التَّعْلِيقِ بِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ غَيْرِ الْحَلْفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ اعْتِمَادُ ك. [قَوْلُهُ: بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ] قَالَ تت: وَالْأَدَبُ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْدُودٍ. مَرْجِعُهُ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ فَقَدْ يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ وَلَا يَبْلُغُ انْتَهَى. وَتَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ مَالِكٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَحْدُودٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْأَدَبُ الضَّرْبُ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَمَا دُونَ، وَلَا يُضْرَبُ أَحَدٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: فَلْتَةً] أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا فِي تت قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إذَا أَيْقَنَ بِالْحِنْثِ] مَفْهُومُهُ لَوْ شَكَّ فِي الْحِنْثِ أَوْ تَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِيهِ شَيْءٌ. فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَلَّمَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَشَكَّ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَفْهُومُ مَا حَلَفَ بِهِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ وَلَمْ يَحْنَثْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ أَعْتَقَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ.

وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ فَهُوَ كَمَنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَظَنُّ الْعِتْقِ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] أَيْ وَالنَّذْرُ الْمُبْهَمُ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا سَائِرُ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَحَلِفِهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَيُمْكِنُ دُخُولُ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَقَاءُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ صِفَةُ سَلْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا صِفَةُ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْفِعْلِيَّةِ] أَيْ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ السَّلْبِيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ كَالْمَعَانِي [قَوْلُهُ: كَالرَّزْقِ] بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالرِّزْقِ، وَالْإِحْيَاءُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْحَيَاةِ، وَالْإِمَاتَةُ تَعَلُّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>