للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى حِنْثٍ.

وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ مُخَالِفًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا (أَوْ يَحْلِفَ لِيَفْعَلُنَّ كَذَا) ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْحِنْثِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَجِّلْ، أَمَّا إنْ أَجَلَّ فَإِنَّهُ عَلَى بِرٍّ إلَى الْأَجَلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا قَبْلَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ عَلَى بِرٍّ إلَى الْأَجَلِ، وَإِنْ وَلِيَ صِيغَةَ الْحِنْثِ حَرْفُ شَرْطٍ كَقَوْلِك: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ لَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَفِي صِيغَةِ الْبِرِّ حَرْفُ نَفْيٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَزَاءٌ نَحْوُ: وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا؛ لِأَنَّ كَلَّمَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ إذْ الْكَفَّارَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ جَزَاءٍ فَهِيَ مَعَ الْجَزَاءِ شَرْطٌ، كَقَوْلِك وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَأُعْطِيَنَّك مِائَةً.

(وَيَمِينَانِ لَا تُكَفَّرَانِ إحْدَاهُمَا لَغْوُ الْيَمِينِ وَهُوَ) أَيْ لَغْوُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ (أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ) بِمَعْنَى يَتَيَقَّنُهُ (كَذَلِكَ فِي يَقِينِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُهُ) وَقَوْلُهُ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَلَا إثْمَ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا لَغْوَ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ نَذْرٍ وَلَا مَخْرَجَ لَهُ، (وَالْأُخْرَى) الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا (الْحَلِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ) مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَقِيَ فُلَانًا بِالْأَمْسِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ (أَوْ شَاكًّا) قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَقِيَهُ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ لَقِيَهُ أَمْ لَا، وَمِثْلُ الشَّكِّ الظَّنُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْحَالِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا فَهُوَ (آثِمٌ) ، وَإِنْ وَافَقَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.

(وَلَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ) الْحَلِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا (الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

أَفْعَلْ كَذَا قَبْلَ شَهْرٍ] بِأَنْ جَعَلَ الشَّهْرَ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ بَعْدَ شَهْرٍ بِأَنْ جَعَلَ وُقُوعَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَتَتَّفِقُ الصُّورَتَانِ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِهَا فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فِي الْأَجَلِ الَّذِي جَعَلَهُ ظَرْفًا، أَوْ جَعَلَ حُصُولَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى يَبَرُّ بِهِ، وَإِذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْهُ حَنِثَ وَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ وُجُودِ زَمَنِهِ الْمُعَلَّقِ فِعْلُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِذَا مَضَى مُنِعَ مِنْ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا.

[قَوْلُهُ: وَفِي صِيغَةِ الْبِرِّ حَرْفُ نَفْيٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرْفَ نَفْيٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وَتَكُونُ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ حَرْفَ نَفْيٍ أَيْضًا، وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ، وَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا مَحْذُوفٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ:

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ ... وَقَسَمٍ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ

إلَخْ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ جَزَاءٌ إلَخْ] وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْ نَافِيَةٌ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا جَوَابٌ وَمَعْنَاهَا فِي الْحِنْثِ حِينَئِذٍ لَأَفْعَلَنَّ؛ لِأَنَّهَا نَافِيَةٌ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَإِنْ ذُكِرَ لَهَا جَوَابٌ فَشَرْطِيَّةٌ فِيهِمَا.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ] وَمُقَابَلَةُ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلِ وَالْأَبْهَرِيِّ، بِأَنَّهُ مَا سَبَقَ إلَيْهِ اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَقَوْلِ الرَّجُلِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ كَلًّا [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى يَتَيَقَّنُهُ] هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَظُنُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الظَّنِّ لَغْوٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْغَمُوسِ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَالْمُرَادُ بِالتَّيَقُّنِ الِاعْتِقَادُ لَا الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ. [قَوْلُهُ: فِي يَقِينِهِ] أَيْ مَوْضِعِ يَقِينِهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَوْضِعَ نَفْسَهُ مَجَازًا، وَالْمَعْنَى يَعْتَقِدُهُ فِي عَقْلِهِ مُمَاثِلًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمُشَارُ لَهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمِثْلُ الِاعْتِقَادِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ لَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قَوِيٍّ فَغَمُوسٌ وَأَوْلَى بِالشَّكِّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ] أَيْ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَا يُفِيدُ اللَّغْوُ فِي نَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ غَيْرِ مُبْهَمٍ [قَوْلُهُ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ] ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ، وَقِيلَ فِي الْإِثْمِ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا حَاصِلٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: الظَّنُّ] أَيْ غَيْرُ الْقَوِيِّ أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ لَقِيَهُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ وَافَقَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ] خَبَرُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ أَيْ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَافَقَ أَمْ لَا عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَحِلُّ الْإِثْمِ مَا لَمْ يَقُلْ فِي ظَنِّيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>