فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ.
رَابِعُهَا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ الْقِنِّ أَوْ مَنْ فِيهِمْ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ. خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ إمَّا رَطْلَانِ مِنْ الْخُبْزِ بِالرَّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ مَعَ أُدْمِ زَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ لَحْمٍ، وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، كَانَ فِيمَا أَطْعَمَهُمْ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ دُونَ عَشَاءٍ وَلَا عَشَاءٌ دُونَ غَدَاءٍ (، وَأَحَبُّ إلَيْنَا) يَعْنِي نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنْ لَوْ زَادَ عَلَى الْمُدِّ مِثْلَ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفٍ وَذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ (بِقَدْرِ مَا يَكُونُ مِنْ وَسَطِ عَيْشِهِمْ) وَوَسَطُ الْعَيْشِ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا.
وَقَوْلُهُ: (فِي غَلَاءٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ وَقَوْلُهُ (أَوْ رُخْصٍ) رَاجِعٌ إلَى نِصْفِ مُدٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ حَتَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِالثُّلُثِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَبِالنِّصْفِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ بِالْمَدِينَةِ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا وَلِقَنَاعَةِ أَهْلِهَا بِالْيَسِيرِ، وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَخْرَجَ مُدًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ)
ــ
[حاشية العدوي]
هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ فَيَدْفَعُهَا جَمِيعَهَا لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ بَالِغٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] أَيْ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا أَهْلَهَا، فَلَوْ اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ أَعَادَهَا وُجُوبًا، وَانْظُرْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً هَلْ تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ أَوْ لَا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَغُرُّوهُ فَإِنْ غَرُّوهُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِهَا.
[قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ] ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالُوا: لِأَنَّ الْعَبْدَ غَنِيٌّ بِمَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْقِنِّ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ مَجْبُورٌ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ فَرُبَّمَا كَانَ سَيِّدُهُمْ فَقِيرًا وَلَا يُمْكِنُ الْبَيْعُ فِيهِمْ، لَكِنْ يُقَالُ السَّيِّدُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَبُتَّ عِتْقَهُمْ فَهُمْ كَالْأَغْنِيَاءِ تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: إمَّا رَطْلَانِ] الرَّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ أَصْغَرُ مِنْ الرَّطْلِ الْمِصْرِيِّ بِيَسِيرٍ [قَوْلُهُ: مَعَ أُدْمٍ] وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: أَوْ لَبَنٍ] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَلِيبُ لَا الْمَضْرُوبُ. اهـ. تت
وَأَعْلَى مَا ذُكِرَ اللَّحْمُ، وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ، تَحْقِيقٌ أَيْ الزَّيْتُ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ أَوْ بَقْلٌ أَوْ قُطْنِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَبْخُ اللَّحْمِ أَوْ الْقُطْنِيَّةِ وَلَا مَا يُطْبَخَانِ بِهِ، وَإِنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِأُدْمٍ وَكَذَا الْمَاءُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً إلَخْ] أَيْ أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ وَلَا يَكْفِي غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ وَلَوْ بَلَغَ مُدًّا، وَيُعْتَبَرُ الشِّبْعُ الْمُتَوَسِّطُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ جُوعٌ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ مَرَّتَيْنِ عَنْ شِبَعٍ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا الْمَرَضُ كَمَا فِي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] أَيْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤَلِّفِ وَمُقَابِلُهُ تَرْجِيعُهُ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْبِيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقُولُ بِهَا أَشْهَبُ وَلَا ابْنُ وَهْبٍ، فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُدِّ الْمَنْدُوبَةِ بِالِاجْتِهَادِ.
[قَوْلُهُ: الزِّيَادَةَ] أَيْ الزِّيَادَةَ الْمَعْهُودَةَ الَّتِي هِيَ الثُّلُثُ أَوْ النِّصْفُ [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَكُونُ] مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِقَدْرِ وُجُودِ أَيْ حَالَ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ [قَوْلُهُ: وَوَسَطِ الْعَيْشِ الْحَبُّ] أَيْ فَمَعْنًى وَسَطٌ مُخْتَارٌ أَيْ بِقَدْرِ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ، أَيْ الْمُخْتَارِ لَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا أَيْ لِأَهْلِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا الْمُكَفَّرِ [قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ] أَيْ مُرْتَبِطٌ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ بَيَانًا لِحَالِ الْعَيْشِ الْوَسَطِ أَيْ حَالِهِ مِنْ رَخَاءٍ وَرُخْصٍ، فَالثُّلُثُ فِي الْغَلَاءِ وَالنِّصْفُ فِي الرُّخْصِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفِهِ أَيْ مَثَلًا فَالْمَدَارُ عَلَى الزِّيَادَةِ بِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، فَقَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الزِّيَادَةَ بِالِاجْتِهَادِ أَيْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: إنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّهَا مَحْدُودَةٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَشَرْحِهِ، أَيْ شَرْحِ بَهْرَامَ وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيٌّ [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا إلَخْ] أَيْ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَلْ كَغَيْرِهِمْ، فِي اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute