للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ.

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِالْوَاوِ الْمُؤْذِنَة بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَقَالَ (وَإِنْ كَسَاهُمْ) أَيْ، وَإِنْ اخْتَارَ كِسْوَةَ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كَسَاهُمْ لِلرَّجُلِ قَمِيصٌ وَلِلْمَرْأَةِ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَسَطِ كِسْوَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّالِثَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِأَوْ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّخْيِيرِ فَقَالَ (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) شَرَطُوا فِيهَا شُرُوطًا أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ. ثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَشِينُ، كَالْعَمَى وَالْهَرَمِ وَالْعَرَجِ الشَّدِيدَيْنِ، أَمَّا مَا لَا يَشِينُ كَقَطْعِ الظُّفُرِ فَيُجْزِئُ. ثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ. رَابِعُهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمُشْتَرَكَةِ. خَامِسُهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.

تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ لِيَتَخَلَّصَ لِلْوَظَائِفِ الْوَاجِبَاتِ. الثَّانِي

ــ

[حاشية العدوي]

مَفْقُودَانِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، أَيْ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَيَقُولُ بِالزِّيَادَةِ، إلَّا أَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ وَأَشْهَبُ يَحُدُّهَا بِالثُّلُثِ وَابْنُ وَهْبٍ بِالنِّصْفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَا شَرَحْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ، وَأَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ تَبِعَنَا فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفَادَ بَعْضِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ قَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي قَدْرِهَا وَسَكَتُوا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِكِفَايَةِ الْمُدِّ، وَأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ الثَّلَاثَةِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الْمُدُّ اتِّفَاقًا.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا إلَخْ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُبْطِلُ.

[قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ] الْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ، وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى؛ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي إعْطَاءِ الْكِسْوَةِ وَالْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي إعْطَاءِ الْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطَى مِثْلُ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْكَبِيرَ فِي الْأَكْلِ، وَفِي الْكِسْوَةِ يُعْطَى كِسْوَةَ كَبِيرٍ مِنْ أَوْسَاطِ الرِّجَالِ، وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَخِيطًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ جَدِيدَةً أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ حَيْثُ كَانَتْ قَوِيَّةً لَمْ تَذْهَبْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَمِيصُ بَلْ الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَافٍ سَوَاءٌ كَانَ قَمِيصًا أَمْ لَا، وَلَا تُجْزِئُ عِمَامَةٌ وَحْدَهَا، وَلَا إزَارٌ لَا يَبْلُغُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِهِ مُشْتَمِلًا فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَجْزَأَ.

[قَوْلُهُ: كَالْعَمَى إلَخْ] وَالْجُنُونِ وَالْبُكْمِ وَقَطْعِ الْأُذُنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُذْكَرُ فِي الظِّهَارِ وَيُجْزِئُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ فَاقِدُ النَّظَرِ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فَقَدَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ بَعْضَ نَظَرِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا [قَوْلُهُ: كَقَطْعِ الظُّفُرِ] لَا قَطْعَ الْأُصْبُعِ، فَذَهَابُ أُنْمُلَتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ] أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا يُثَابُ، وَمَنْ تَرَكَهُمَا يُعَاقَبُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ ظَاهِرًا فِيمَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ الْوَاجِبَاتِ أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةً، وَلَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَرَادِعِيِّ، وَعِبَارَةُ الْبَرَادِعِيِّ وَعِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ مَنْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَالصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ.

قَالَ الشَّيْخُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَصَامَ يَكُونُ إسْلَامُهُ حَقِيقَةً بِالْفِعْلِ، وَفِي الصَّغِيرِ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا. اهـ.

فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عِتْقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا السِّنَّ مُجْزٍ، وَإِنْ رَضِيعًا كَمَا فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَذَلِكَ فَكَبُرَ أَخَرْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>