للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا لَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ كَرَّرَ الْيَمِينَ بِذَلِكَ الِاسْمِ بِعَيْنِهِ أَوْ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَتَعَدَّدْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ تَعَدَّدَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ اهـ.

وَمَفْهُومٌ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهَا فِي شَيْئَيْنِ مَثَلًا لَزِمَ لِكُلِّ كَفَّارَةٍ يَمِينٌ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ. (وَمَنْ قَالَ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ: (أَشْرَكْت بِاَللَّهِ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ) أَوْ عَابِدُ وَثَنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ (إنْ فَعَلَ كَذَا) ثُمَّ فَعَلَهُ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ (وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ) ظَاهِرُهُ وَلَا تُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ.

(وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩] وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَ مَسْأَلَتَانِ، أَشَارَ إلَى إحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي زَوْجَتِهِ) إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ (فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا طَلَاقُهَا ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ (إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَنْوِي فِيهَا كَمَا سَيَقُولُ فِي النِّكَاحِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً بِذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.

(وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً) لِلَّهِ تَعَالَى (أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

لِأَنَّهُ فِي هَذَا أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ كَوَاللَّهِ [قَوْلُهُ: وَكَّدَ] أَرَادَ التَّوْكِيدَ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ] أَيْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ [قَوْلُهُ: أَوْ صِفَاتِهِ] أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ أَوْ بِهِمَا [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ] وَقِيلَ تَتَعَدَّدُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، وَالظِّهَارُ مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ إذَا كَرَّرَهَا بِغَيْرِ عَطْفٍ، أَيْ وَكَانَ نَسَقًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ يُشَدَّدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.

[قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إلَخْ] أَيْ وَالِاعْتِصَامُ كَائِنٌ بِاَللَّهِ [قَوْلُهُ: أَوْ عَابِدِ وَثَنٍ] وَمِثْلُ ذَلِكَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ] الْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ أَيْ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، كَعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا يَكُونُ مُرْتَدًّا أَوْ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ يَكُونُ وَاقِعًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ] أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَعَزَلَ الزَّوْجَةَ أَوَّلًا قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزَّوْجَةِ، وَتِلْكَ النِّيَّةِ تَكْفِيهِ وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ أَوَّلًا وَقَوْلُنَا أَوَّلًا احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ طَرَأَتْ نِيَّةُ الْعَزْلِ بَعْدَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ نُطْقًا مُتَّصِلًا وَقَصْدِ حِلِّ الْيَمِينِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا] مُلَخَّصُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ [قَوْلُهُ: وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ] ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَلْزَمُ بِتَحْرِيمِهِ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ.

مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ (فِي جَوَابِهِ) تَفْصِيلٌ إنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَّ لِي الْعَقْدُ عَلَيْك فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ، وَإِنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَلْت وَتَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِكَثْرَةِ قَصْدِ التَّأَمُّلِ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِمَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ هِبَتِهِ لَهُمْ أَوْ هَدْيٍ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ مُعَيَّنَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>