للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (وَكَانَ مُتَمَتِّعًا) إذَا صَادَفَتْ عُمْرَتُهُ أَوْ بَعْضُهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ (وَالْحَلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا) التَّمَتُّعِ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ (وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّقْصِيرُ فِي هَذَا) التَّمَتُّعِ (اسْتِبْقَاءً لِلشَّعْثِ فِي الْحَجِّ. وَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْمَدِينَةِ)

الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَيْهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَمْشِي أَوْ أَسِيرُ (أَتَاهُمَا رَاكِبًا) إنْ شَاءَ أَوْ مَاشِيًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا مَاشِيًا وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا إلَّا (إنْ نَوَى الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ، وَقِيلَ النَّافِلَةَ (بِمَسْجِدَيْهِمَا) يُرِيدُ أَوْ سَمَّاهُمَا خَاصَّةً كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ فِيهِمَا وَلَا سَمَّاهُمَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمَشْيِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ.

هَذَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ سَاكِنًا بِغَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الصَّلَاةَ بِأَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا وَعَكْسُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَفْضُولًا وَصَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّتِهِ.

وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَسَاجِدَ)

ــ

[حاشية العدوي]

مِيقَاتِهِ؛ لِقَوْلِ خَلِيلٍ كَخُرُوجِ ذِي النَّفْسِ لِمِيقَاتِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ] أَيْ مِنْ جَوْفِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ بَابِهِ أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: بِفَرِيضَةٍ وَهِيَ إلَخْ] أَيْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ فِي عَامِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، بَهْرَامُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَالْحِلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا التَّمَتُّعِ] أَيْ وَغَيْرِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ وَالْقِرَانُ فَالشَّخْصُ غَيْرُ مُرَادٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْصِيرَ أَفْضَلُ فِي مُطْلَقِ التَّمَتُّعِ [قَوْلُهُ: لِلشَّعَثِ] أَيْ الْوَسَخِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الْإِبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ فِي بَابِ الْحَجِّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَسِيرُ] أَيْ أَوْ آتِي مَثَلًا [قَوْلُهُ: إنْ نَوَى الصَّلَاةَ بِمَسْجِدَيْهِمَا] وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَالنَّافِلَةُ] فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُقَدَّسُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ أَيْ الْمُطَهَّرُ، وَتَطْهِيرُهُ خُلُوُّهُ مِنْ الْأَصْنَامِ، وَإِبْعَادُهُ عَنْهَا وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ بِالْعَكْسِ أَيْ إنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَهَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، وَاَلَّذِي فِي خَلِيلٍ وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ بِمَعْنَى أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا عَدَا الْمَوْضِعَ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى الْكَعْبَةِ وَمِنْ السَّمَوَاتِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَيَلِيهِ الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا.

وَكَلَامُ الشَّارِحِ كَمَا عَلِمْت فِي الْمَسْجِدَيْنِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِمَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَنْ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ، وَلِمَا زِيدَ مِنْ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُكْمُ مَسْجِدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ مَا يَمَسُّ أَعْضَاءَهُ لَا أَعَمُّ وَالرَّوْضَةُ تَنْضَمُّ أَيْضًا لِمَوْضِعِ الْقَبْرِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّفْضِيلِ، بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِبُقْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>