الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُزَوَّجُ الْيَتِيمَةُ الَّتِي يُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ ج. إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصُّ الْأَبِ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِجْبَارِ، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ وَوَصِيَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فِي الْإِجْبَارِ بِشَرْطَيْنِ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ وَالْآخَرُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِنْكَاحِ، وَهَذَا الثَّانِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ هُنَا حَتَّى تَبْلُغَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَبُ بِالْإِنْكَاحِ.
لَكِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ فَسَّرَ قَوْلَ الشَّيْخِ الْآتِيَ بِمَا إذَا عَيَّنَ الزَّوْجَ كَمَا تَقِفُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْوَصِيِّ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا وَقِيلَ لَهُ جَبْرُهَا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً وَخِيفَ عَلَيْهَا الْحَاجَةُ. ابْنُ بَشِيرٍ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَيْهِ، إنْ خِيفَ فَسَادُهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِبِلَادِنَا الْيَوْمَ مَعَ زِيَادَةِ بُلُوغِ سِنِّهَا عَشْرَ سِنِينَ مَعَ مَشُورَةِ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: عَلَى الْإِجْبَارِ] أَيْ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا مِثَالُ الْأَوَّلِ أَجْبَرَهَا وَمِثَالُ الثَّانِي زَوَّجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيِّ الْأُنْثَى فَلَهَا الْجَبْرُ حَيْثُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ] أَيْ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ كَزَوَّجَهَا مِنْهُ إذَا بَلَغَتْ أَوْ بَعْدَ، كَذَا مِنْ السِّنِينَ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَيَّنُ فَاسِقًا، إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاسِقِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ حَالَ الْإِيصَاءِ غَيْرَ فَاسِقٍ وَتَغَيَّرَ حَالُهُ، فَلِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ، وَلَا يَضُرَّ فِي الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ زَوْجَاتٌ أَوْ سَرَارِي، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ يَفْرِضُ الْمِثْلَ فَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَأْمُرَ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ] هَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ، وَلَوْ وَافَقَ خَلِيلًا لَقَالَ: أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّ يُجْبِرُ بِاتِّفَاقٍ إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ، أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِجْبَارِ، وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ بَلْ قَالَ لَهُ زَوِّجْهَا: مِمَّنْ أَحْبَبْت أَوْ زَوِّجْهَا أَوْ أَنْكِحْهَا أَوْ أَنْتَ وَصِيٌّ عَلَى بَنَاتِي أَوْ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِي وَالْبَعْضُ مُبْهَمٌ فَخِلَافٌ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرُ، وَالرَّاجِحُ الْجَبْرُ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: وَصِيٌّ فَقَطْ أَوْ عَلَى مَالِي فَلَا جَبْرَ اتِّفَاقًا، لَكِنْ لَوْ زَوَّجَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْضِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، يُجْبِرُ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ لَهُ الْجَبْرَ إذَا قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَوْلَادِي، وَلَوْ أَوْصَاهُ عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ أَوْ قَبْضِ دُيُونِهِ لَا جَبْرَ لَكِنْ لَوْ جَبَرَ وَزَوَّجَ لَصَحَّ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إلَخْ] ضَعِيفٌ إذْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَأَرَادَ بِالشَّرْطَيْنِ تَعْيِينَ الزَّوْجِ، وَأَمْرَ الْأَبِ لَهُ بِالْإِنْكَاحِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَهُ جَبْرُهَا إنْ كَانَتْ إلَخْ] حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ مَذْهَبَ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ خَلِيلٌ إلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِشُرُوطٍ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُحْمَلُ الرَّاجِحُ وَهُوَ عَدَمُ الْجَبْرِ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ، وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ مُطْلَقِ شَخْصٍ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجَبْرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ خِيفَ فَسَادُهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا الْحَاجَةُ [قَوْلُهُ: مَعَ زِيَادَةِ بُلُوغِ سِنِّهَا عَشْرَ سِنِينَ] أَيْ أَتَمَّتْهَا لَا دَخَلَتْ فِيهَا فَقَطْ لِلِاحْتِيَاطِ.
[قَوْلُهُ: مَعَ مَشُورَةِ الْقَاضِي] الْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي مُوجِبَاتُ التَّزْوِيجِ، أَيْ مِنْ خَوْفِ فَسَادِهَا بِزِنًا أَوْ ضَيْعَةٍ لِفَقْرِهَا، أَوْ فَسَادِ حَالِهَا بِعَدَمِ تَزْوِيجِهَا وَكَوْنِهَا بَلَغَتْ عَشْرًا فَأَكْثَرَ، وَمِنْ أَذِنَهَا بِالْقَوْلِ لِغَاصِبِهَا أَوْ لِوَصِيِّهَا، غَيْرِ الْمُجْبِرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَوْ لِلْحَاكِمِ إنْ لَمْ يَكُونَا، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ وَعِبَارَةٌ أُخْرَى، وَشُووِرَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ يُتْمُهَا أَوْ فَقْرُهَا، أَيْ إنْ كَانَ مُوجِبُ التَّزْوِيجِ خَوْفَ الضَّيَاعِ؛ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَخُلُوِّهَا مِنْ زَوْجٍ وَعِدَّةٍ وَرِضَاهَا بِالزَّوْجِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ، وَكَوْنِهِ كُفُؤًا لَهَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِقٍ، وَالنَّسَبُ وَالْحُرِّيَّة وَالْمَالُ وَالْحَالُ أَيْ سَلَامَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَاَلَّتِي يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ بِهَا الْخِيَارُ وَكَوْنِهِ ذَا حَسَبٍ وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ الْمَفَاخِرِ كَكَرَمِ الْآبَاءِ وَكَوْنِ الصَّدَاقِ صَدَاقَ الْمِثْلِ، وَالْجِهَازُ الَّذِي يُجَهَّزُ بِهِ مُنَاسِبٌ لَهَا. اهـ.
وَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَوْنِهِ كُفُؤًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute