وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذِي الرَّأْيِ، فَقِيلَ هُوَ الرَّجُلُ ذُو الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ، وَقِيلَ هُوَ الْوَجِيهُ الَّذِي لَهُ رَأْيٌ وَمَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، وَمِنْ هَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (كَالرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهَا) تَفْسِيرٌ لِذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ أَوْ السُّلْطَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِي الرَّأْيِ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا يَكُونُ الْحَاكِمُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَصْلًا ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ.
وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْمَرْأَةَ فِي كَلَامِهِ بِذَاتِ الْحَالِ لِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّنِيَّةِ) وَهِيَ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا؛ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، وَلَا مَالٍ وَلَا حَالٍ وَلَا قَدْرٍ كَالسَّوْدَاءِ الْفَقِيرَةِ وَالْمَسْلِمَانِيَّةِ وَاَلَّتِي تَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ الدِّيَارِ وَنَحْوِهَا هَلْ لَهَا (أَنْ تُوَلِّيَ أَجْنَبِيًّا) ، وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ مَعَ
ــ
[حاشية العدوي]
مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
[قَوْلُهُ: هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ إلَخْ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَصَبَةَ النَّسَبِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ: أَخَصَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ، فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِقَوْلِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَالْفَضْلِ] عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ [قَوْلُهُ: الَّذِي لَهُ رَأْيٌ] تَفْسِيرٌ لِلْوَجِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَيْئَانِ الْوَجَاهَةُ وَالرَّأْيُ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ ذُو الرَّأْيِ بِمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوِلَايَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ عج.
وَشُرُوطُ الْوَلِيِّ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ فِي الْمُسْلِمَةِ، وَأَمَّا السَّفَهُ فَيَمْنَعُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ أَوْ ضَعِيفَهُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ ذَا الرَّأْيِ يَعْقِدُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا] أَيْ التَّقْرِيرِ [قَوْلُهُ: عُلِمَ إلَخْ] يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَالرَّجُلِ إلَخْ. بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ السُّلْطَانِ، وَالْمَوْجُودُ فِي نُسَخٍ غَيْرِ هَذَا الشَّارِحِ، مِمَّا، وَقَفْت عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ السُّلْطَانِ [قَوْلُهُ: فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَأَوْ لِلتَّرْتِيبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. حَيْثُ قَالَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ، إذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحِ مِنْ الْكُفْءِ وَالصَّلَاحِ.
وَقَالَ آخَرُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ ثُمَّ فِي الْمَقَامِ أَمْرٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ أَيْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ زَوَّجَ السُّلْطَانُ مَعَ وُجُودِ مَنْ قَبْلَهُ أَوْ زَوَّجَ ذُو الرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَصَحَّ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لَكِنْ يَكُونُ فِي الْمَقَامِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّ إفْرَادَ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ إفْرَادُ ذِي الرَّأْيِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ وَعَاصِبُ النَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى صَاحِبِ الْوَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ الْحَاكِمُ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ مَنْ لَهُ حُكْمٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
[قَوْلُهُ: ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] وَهِيَ كَوْنُهَا صَحِيحَةً بَالِغَةً غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَلَا مُحَرَّمَةً عَلَى الزَّوْجِ، وَأَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ، وَأَنْ لَا وَالِدَ لَهَا أَوْ عَضَلَهَا أَوْ غَابَ عَنْهَا وَخُلُوَّهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَالْعِدَّةِ وَالرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ، وَأَنَّهُ كُفُؤُهَا فِي الْحَالِ وَالْمَالِ، وَالْمَهْرُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي غَيْرِ الْمَالِكَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَيَثْبُتُ فَقْرُهَا، وَأَنَّهَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ ذَاتَ مَالٍ إلَخْ] أَيْ فَمَتَى اتَّصَفَتْ بِجَمَالٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حَالٍ تَكُونُ شَرِيفَةً، وَقَوْلُهُ: وَلَا قَدْرٍ عَيْنُ قَوْلِهِ: وَلَا حَالٍ، وَأَرَادَ بِالْقَدْرِ وَالْحَالِ مَا يُعَدُّ مَفْخَرَةً كَالنَّسَبِ وَالْحَسَبِ كَكَرَمِ الْآبَاءِ، وَقَوْلُهُ كَالسَّوْدَاءِ إلَخْ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ سَوْدَاءَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْمٍ مِنْ الْقِبْطِ يَقْدَمُونَ مِنْ مِصْرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سُودٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُسْقِطَ قَوْلَهُ: الْفَقِيرَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُفَادَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّ مَنْ يُرْغَبُ فِيهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَرِيفَةٌ، وَأَنَّ المسلمانية دَنِيئَةٌ مُطْلَقًا وَكَذَا السَّوْدَاءُ وَالْمُعْتَقَةُ. اهـ.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّتِي تَسْأَلُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهَا دَنِيئَةٌ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: عَنْ الدِّيَارِ إلَخْ] كَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ، وَاَلَّتِي تَسْأَلُ النَّاسَ عَلَى الدِّيَارِ بِلَفْظِ عَلَى وَهِيَ أَحْسَنُ، أَيْ تَسْأَلُ النَّاسَ وَالْحَالُ أَنَّهَا وَاقِفَةٌ عَلَى الدِّيَارِ، أَيْ تَقِفُ عَلَى الدِّيَارِ سَائِلَةً أَهْلَهَا، وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا كَاَلَّتِي تَفْعَلُ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهَا، بِحَيْثُ لَا يُرْغَبُ فِيهَا، وَلَوْ احْتَوَتْ عَلَى مَالٍ أَوْ جَمَالٍ.
[قَوْلُهُ: