للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تُجْبَرُ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرَّشِيدَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي السَّفِيهَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا تَأْذَنُ بِالْقَوْلِ فَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . وَالْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ الثَّيِّبُ لِمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ فِي الْبِكْرِ، وَالثَّيِّبُ قَدْ يَزُولُ مِنْهَا ذَلِكَ.

(وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ) ذَاتُ الْحَالِ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا) أَوْ وَكِيلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَخَافَةُ مَا يَلْحَقُ الْوَلِيَّ مِنْ الْمَعَرَّةِ، لِأَنَّهَا قَدْ تُوقِعُ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ لَوْ عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا (أَوْ) بِإِذْنِ (ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا وَالسُّلْطَانِ) ج قَالَ: فِي التَّهْذِيبِ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ السُّلْطَانِ فَذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةُ أَوْ الْعَمُّ أَوْ الْوَلِيُّ

ــ

[حاشية العدوي]

يُغَطَّى بِهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْإِزَارُ، وَإِضَافَةُ جِلْبَابٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، أَيْ حَتَّى زَالَ الْحَيَاءُ الشَّبِيهُ بِالْجِلْبَابِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةَ [قَوْلُهُ: وَفِي السَّفِيهَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] إذْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ وِلَايَةِ الْمَالِ، وَالنَّظَرِ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ مِنْ قَوْلِهِ يُجْبِرُهَا [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَذَلِكَ] أَيْ تَأْذَنُ بِالْقَوْلِ أَيْ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ.

وَأَمَّا إذْنُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَكْفِي الصَّمْتُ، أَيْ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةَ الْمَجْلِسِ لَا إنْ غَابَتْ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا [قَوْلُهُ: أَحَقُّ] لَفْظُ أَحَقَّ لِلْمُشَارَكَةِ أَيْ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا، وَلِوَلِيِّهَا، وَحَقُّهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَيْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالرِّضَا، أَنْ لَا تُزَوَّجَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي الْعَقْدِ [قَوْلُهُ: تُسْتَأْذَنُ] أَيْ يَسْتَأْذِنُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا.

وَقَوْلُهُ: صُمَاتُهَا بِالضَّمِّ سُكُوتُهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَاعَاةٌ لِتَمَامِ صَوْنِهَا، وَإِبْقَاءٌ لِاسْتِحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ صَرِيحًا لَظُنَّ أَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِي الرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْبِكْرِ [قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجْهُ اسْتِئْمَارِهَا أَنْ يَقُولَ لَهَا وَلِيُّهَا بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ: إنِّي مُزَوِّجُك فُلَانًا، وَقِيلَ مَعْنَى تُسْتَأْمَرُ أَنَّ إذْنَهَا مَأْمُورٌ بِهِ [قَوْلُهُ: إنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ] نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ الْحَيَاءُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ فِي النِّسَاءِ وَجُزْءٌ فِي الرِّجَالِ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ذَهَبَ ثُلُثُهُ فَإِذَا وَلَدَتْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا زَنَتْ ذَهَبَ كُلُّهُ. اهـ. فَقَوْلُ شَارِحِنَا إنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ، أَيْ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ وَالثَّيِّبُ قَدْ يَزُولُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَدْ زَالَ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بِتَمَامِهِ.

[قَوْلُهُ: ذَاتُ الْحَالِ] الشَّرِيفَةُ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ الشَّرِيفَةَ غَيْرَ الْمُجْبَرَةِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ، كَابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا كَمَا حَلَّ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ إلَخْ] هَذَا التَّعْلِيلُ يُوجِبُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِذَاتِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ حَالٍ أَوْ لَا، وَيُوجِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ، وَلَا تَتَوَلَّى الْمَرْأَةُ، عَقْدَ نَفْسِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِكَاحَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا بِجَامِعِ تُوَلِّيهَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا.

وَالْقَصْدُ أَنْ لَا تَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَخْ] خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ تَوَلِّيهَا عَقْدَ نَفْسِهَا [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ مَا يَلْحَقُ الْوَلِيَّ مِنْ الْمَعَرَّةِ] هَذَا لَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ السُّلْطَانِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَوْ رُبِطَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ] أَيْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيِّ وَالتَّهْذِيبُ مُخْتَصَرُ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا] أَيْ الْخَاصِّ كَابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَذُو الرَّأْيِ إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ.

[قَوْلُهُ: الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةِ] أَيْ الْقَبِيلَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَمِّ] هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ، وَاَلَّذِي فِي شَارِحِ الْمُوَطَّأِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَوْ ابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ أَحْسَنُ، فَإِنْ قُلْت ابْنُ الْعَمِّ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَمَا نُكْتَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ. قُلْت لَعَلَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا [قَوْلُهُ: أَوْ الْوَلِيِّ] هَكَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ، وَالتَّحْقِيقُ وَالصَّوَابُ الْمَوْلَى، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ الْكَافِلِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>