السَّابِعَةَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ صَرِيحًا إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ، وَكَانَ جَمِيعُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حُكْمُهُمْ حُكْمُهَا أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا.
فَقَالَ «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَكَانَ غَيْرُهُمَا مُلْحَقًا بِهِمَا بِالسُّنَّةِ نَبَّهَ، عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «وَنَهَى أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا» خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ ابْنُ شَاسٍ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا، لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
بِالصِّهْرِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالْجَمْعِ [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ.
[قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: ٢٤]] أَيْ يَحْرُمُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَفِي عَدِّهَا مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ] ، وَهِيَ السَّبْعُ اللَّاتِي فِي الْآيَةِ، فَكَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأُمُّك رِضَاعًا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ رَضَعَتْ عَلَى زَوْجَتِك بِلَبَنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَأَخَوَاتُك كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ وُلِدَ لِفَحْلِهَا، فَإِنْ جَاءَ مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا، وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ لَك مِنْ الرَّضَاعِ.
وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ غَيْرِ أُمِّك مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيك، وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ، وَأَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الْأَخَوَاتُ [قَوْلُهُ: بِالرَّضَاعِ] أَيْ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ النَّسَبِ أَيْ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَجْلِ النَّسَبِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ فِي الثَّانِي لِدَفْعِ الثِّقَلِ فِي اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ وَالرَّضَاعَةُ بِمَعْنَى الرَّضَاعِ فَهُوَ مَصْدَرٌ ثَانٍ لِرَضَعَ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا [قَوْلُهُ: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ.
قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قُرْآنًا، وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ بِهِمَا الْجَمْعَ بَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» . " [قَوْلُهُ: وَنَهَى أَنْ تُنْكَحَ إلَخْ] قَالَ تت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ، وَيُتَصَوَّرُ الْعَمَّتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْخَالَتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْآخَرُ بِنْتَ الْآخَرِ وَالنَّسَبُ وَالرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . " [قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْقَصْدُ خُصُوصَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] وَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعَةِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ ابْنَتِهِ.
وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْأَخِيرَةِ لَوْ قُدِّرَتْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَطْءُ جَارِيَتِهِ [قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ] الْمُنَاسِبُ لَحَرُمَ الْجَمْعُ [قَوْلُهُ: فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ] أَيْ حِلِّيَّةِ الْوَطْءِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ بَطَلَ النِّكَاحَانِ وَفُسِخَا أَبَدًا، وَإِنْ حَصَلَ دُخُولٌ بِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ، وَلَا مَهْرٍ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحِلِّ فَإِنْ عَلِمَتْ الْأُولَى فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَمِثْلُ الْعِلْمِ لَوْ صَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute