كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ لِلْوَطْءِ أَمَّا الْجَمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ فَقَطْ فَجَائِزٌ إجْمَاعًا، {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ، وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً، وَفَاحِشَةً شَائِعَةً وَنِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا نَسَخَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِينَا: (وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الْأَبُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَبِالْعَقْدِ تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَّا سِتًّا، وَجَعَلَ السَّابِعَةَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَنَّهَا حَلِيلَةٌ أَوْ لَا يَصْدُقُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ] أَيْ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ لَهُ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُتَلَذِّذِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَالِكٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ فِيهِ الشَّكُّ فَأَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ الِابْنُ نَكَحْتهَا أَوْ وَطِئْت الْأَمَةَ عِنْدَ قَصْدِ الْأَبِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ وَفِي وُجُوبِهِ إنْ فَشَا تَأْوِيلَانِ.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ] أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ فَيُصَدَّقُ بِصُورَةٍ ثَالِثَةٍ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ بِنِكَاحٍ وَأُخْرَى بِمِلْكٍ فَيَمْتَنِعُ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْجِمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ] وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا إذَا جَمَعَهُمَا لِلِاسْتِخْدَامِ فَيَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ وَاحِدَةً لِلْوَطْءِ وَوَاحِدَةً لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ [قَوْلُهُ: {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣]] أَيْ إلَّا الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ، وَقَوْلُهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُخَاطَبِينَ. وَقَوْلُهُ: وَوَقَعَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَ اسْتِمْرَارَهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ] أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ [قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ] أَيْ يَقْطَعُهُ أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ بِحَيْثُ صَارَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٢٣] نَعَمْ قَدْ اُسْتُشْكِلَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ شَرِيعَةَ قَوْمٍ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ حَتَّى يُقَالَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ فَتَدَبَّرْ، فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَتْ أَيْ نِكَاحُ مَنْكُوحَاتٍ إلَخْ، وَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ خَصْلَةً، وَقَوْلُهُ جَاهِلِيَّةً أَيْ مَنْسُوبَةً لِلْجَهْلِ لِكَوْنِهَا نَاشِئَةً عَنْهُ، وَقَوْلُهُ وَفَاحِشَةً أَيْ بَالِغَةً فِي الْقُبْحِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ [قَوْلُهُ: كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلِنَا] ظَاهِرُهُ حَتَّى عِيسَى [قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: ٢٢]] ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَصْلِ تَلَذُّذٌ بِهِ، وَحُرْمَةُ حَلِيلَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَ الْأَبُ عَلَيْهَا فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَقَيَّدْنَا الْفَاسِدَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ وَمِثْلُ حَلِيلَةِ الْأَصْلِ مَوْطُوءَتُهُ بِالْمِلْكِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا الْأَصْلُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّلَذُّذُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْآبَاءِ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبٌ] أَيْ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْآبَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْقِسْمَةِ عَلَى الْآحَادِ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ فَإِنَّكُمْ لَا تُؤَاخَذُونَ بِهِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا سِتًّا] صَوَابُهُ خَمْسًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ السَّابِعَةَ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ بِالصِّهْرِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك أَوْ فَرْعِك عَلَيْهِ أَوْ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهَا، كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا، وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِالْجَمْعِ فَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا الضَّابِطُ عَلَيْهَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَلَّبَ الْمُحَرَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute