للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْجِمَاعُ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ التَّمَتُّعُ مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مِثْلُهُ يَحِلُّ بِحِلِّهِ، وَيَحْرُمُ بِحُرْمِهِ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالرَّبِيبَةُ حَلَالٌ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَلَا تَلَذَّذَ مِنْهَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ حِينَئِذٍ فِي نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] جَمْعُ حَلِيلَةٍ، وَهِيَ زَوْجَةُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] تَخْصِيصٌ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ التَّبَنِّي، وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَمَةَ الِابْنِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] سَوَاءٌ

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: هُوَ الْجِمَاعُ] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَوْلُهُ {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] أَيْ دَخَلْتُمْ مَعَهُنَّ السِّتْرَ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ أَفَادَهُ الشِّهَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ] أَيْ وَالْجِمَاعِ أَيْ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالدُّخُولِ اللَّمْسَ وَالْجِمَاعَ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ فَقَطْ أَيْ، وَقِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ اللَّمْسَ الشَّامِلَ لِلْقُبْلَةِ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ دُونَ هَذَا الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ قَبِيلٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْجِمَاعِ لَيْسَ حَقِيقَةً أَيْ بَلْ كِنَايَةً مَشْهُورَةً فَكَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ] أَيْ وَحَاصِلُ الْقَوْلِ [قَوْلُهُ: إنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ] أَيْ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الدُّخُولُ مَعَهُنَّ السِّتْرَ [قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجِمَاعِ أَيْ قِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ الشَّامِلُ لِلْقُبْلَةِ أَيْ وَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ، يَعُمُّهُمَا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَلَا تَنَافِيَ فِي عِبَارَتِهِ [قَوْلُهُ: يَحِلُّ بِحِلِّهِ] أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ يَحِلُّ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ بِحُرْمِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا أَيْ حُرْمَتِهِ أَيْ: أَيُّ مَوْضِعٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْوَطْءُ يَحْرُمُ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ أَيْ شُمُولِهِ أَيْ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِأَفْرَادِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَيْ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ. وَمَجَازِهِ وَلَا يَأْتِي الطَّرِيقُ الثَّالِثُ لِتَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالدُّخُولِ إلَّا عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّمَسُّحِ بِأَنْ يُرَادَ الشُّمُولُ، وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ تَرْكِيبُهُ الصَّعْبِ وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ لَذَّةً بِزَوْجَتِهِ، وَلَوْ بِقُبْلَةِ فَمٍ أَوْ لَمْسٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ، وَلَوْ بِنَظَرٍ وَوُجِدَتْ حَرُمَتْ فَبِنْتُهَا رَبِيبَةٌ، وَإِنْ انْتَفَيَا فَلَا تَحْرُمُ، وَإِنْ قَصَدَهَا فَقَطْ أَوْ وَجَدَهَا فَقَطْ فَقَوْلَانِ فِي كُلٍّ أَقْوَاهُمَا فِي الثَّانِي، التَّحْرِيمُ وَالْأَرْبَعَةُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ.

وَأَمَّا هُمَا فَلَا تَحْرِيمَ بِهِمَا مُطْلَقًا، كَبَاطِنِ الْجَسَدِ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، وَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِالْكَلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرِّمٍ اتِّفَاقًا.

وَقَالَ عج وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الْفُصُولِ بِالتَّلَذُّذِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَقْتَ التَّلَذُّذِ صَغِيرَةً جِدًّا فَلَيْسَ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ. اهـ.

[قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣]] الْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِالْأُمَّهَاتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ يُحَرِّم بَنَاتِهِنَّ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ قُوَّةُ مَحَبَّةِ الْأُمِّ لِلْبِنْتِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ [قَوْلُهُ: {وَحَلائِلُ} [النساء: ٢٣] إلَخْ] الْمُرَادُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ الْأَبْنَاءُ أَيْ مُطْلَقُ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ لَهُ صَغِيرًا جِدًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا تَلَذَّذَ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ حَلَائِلُ أَبْنَاءِ الْبَنَاتِ.

[قَوْلُهُ: تَخْصِيصٌ] أَيْ مُخَصَّصٌ أَوْ ذُو تَخْصِيصٍ لِقَوْلِهِ أَبْنَاؤُكُمْ، وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ أَيْ مِنْ عُمُومِ أَبْنَائِكُمْ الْأَبْنَاءُ بِالتَّبَنِّي. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ حُرْمَةُ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ بِالتَّبَنِّي الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الرَّضَاعِ] صِفَةٌ لِلِابْنِ أَيْ فَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ ابْنِ الصُّلْبِ فِي حُرْمَةِ حَلِيلَتِهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَمَةِ الِابْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>