شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (فَهَؤُلَاءِ) السَّبْعَةُ (مِنْ الْقَرَابَةِ) .
أَمَّا السَّبْعَةُ (اللَّوَاتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ) فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا شَابَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَجَالَّةً حَيَّةً كَانَتْ أَوْ مَيِّتَةً {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ إلَّا الْأُمَّ وَالْأُخْتَ، فَالْأُمُّ أَصْلٌ، وَالْأُخْتُ فَرْعٌ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا عَلَى زَوْجَتِك وِلَادَةٌ فَهِيَ أُمُّ امْرَأَتِك، وَإِنْ عَلَتْ.
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فِيمَنْ دَخَلَ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ كَمَا سَيَذْكُرُ وَكَذَا تَحْرُمُ أُمُّ الزَّوْجَةِ بِالرَّضَاعِ {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: ٢٣] جَمْعُ رَبِيبَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَرْبُوبَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ رَبَّهَا يُرَبِّهَا إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا، وَهِيَ بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إجْمَاعًا فَالرَّبِيبَةُ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ دَخَلَ بِأُمِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، وَالْحِجْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا مُقَدَّمُ ثَوْبِ الْإِنْسَانِ، وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْهُ فِي حَالِ اللُّبْسِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ اللَّفْظَةُ فِي الْحِفْظِ وَالسَّتْرِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الدُّخُولِ مِنْ قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية العدوي]
قِبَلِ الْأَبِ فَقَطْ فَلَا تَحْرُمُ خَالَةُ الْخَالَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالَتِي إذَا كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأُمِّهَا أَوْ شَقِيقَتَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّي فِي أُمِّهَا فَهِيَ فَرْعٌ أَصْلِيٌّ، الْأَوْلَى فَتَحْرُمُ خَالَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأَبِيهَا فَأُمُّهَا وَأُخْتُ أُمِّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنِّي فَلَيْسَتْ فَصْلَ أَصْلِيٍّ.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ خُنْثَى مُشْكِلًا [قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتَةً] أَيْ حَيْثُ كَانَ فِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَظْهَرِ [قَوْلُهُ: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]] الْمُرَادُ بِالْأَخَوَاتِ الَّتِي مِنْ الرَّضَاعِ بَنَاتُ الْمَرْأَةِ الْمُرْضَعِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ بِالْمُرَادِ بِهِنَّ مَنْ رَضَعَ هُوَ، وَإِيَّاهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَرْضَعَتْ بِنْتًا قَبْلَهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ صَاحَبَتْك فِي الرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ قَبْلَ أَنْ تُرْضِعَ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَضِعَتْ [قَوْلُهُ: فَرْعٌ] أَيْ لِذَلِكَ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: وَالْفُرُوعِ] أَيْ فُرُوعِ الْأُصُولِ [قَوْلُهُ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣]] سَوَاءٌ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا فِي حَالِ بُلُوغِهِ أَوْ صِبَاهُ [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ] وَغَيْرُهُمْ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَدْ قَالَا: إنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] شَرْطٌ فِي هَذِهِ وَفِي الرَّبِيبَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا.
[قَوْلُهُ: إذَا وَلِيَ إلَخْ] أَيْ تَقُولُ ذَلِكَ إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا أَيْ فَمَعْنَى مَرْبُوبَةٍ مُوَلًّى أَمْرُهَا، وَرُجُوعُهُ لِلْمَاضِي ظَاهِرٌ وَلِلْمُضَارِعِ بِأَنْ يُرَادَ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَقُولُ فَحِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى {اللاتِي} [النساء: ٢٣] إلَخْ وَصْفٌ كَاشِفٌ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ، بِقَوْلِهِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَسُمِّيَ رَبِيبًا إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ رَبِيبَةً إذَا كَانَ أُنْثَى، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَرْبِيَةٌ أَقُولُ فَالْوَصْفُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ مُخَصِّصًا، وَصَحَّ عَدَمُ ذِكْرِهِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَبْلُ [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] أَيْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْحِجْرِ.
وَقَالَ تت خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا] يُوَافِقُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَى الْكَسْرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْحِفْظِ وَالسَّتْرِ. [قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَأَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا كَانَ تَحْتَهُمَا مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ عُرْفًا فَهُوَ عَيْنُ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ [قَوْلُهُ: فِي الْحِفْظِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَفِظْته صُنْته عَنْ الِابْتِذَالِ، وَعَطْفُ السَّتْرِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَقَوْلُهُ مَجَازًا أَيْ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ سَبَبٌ لِلسَّتْرِ فِي الْجُمْلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute