اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا.
(وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (وَطْءُ) الْإِمَاءِ (الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ) دُونَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] (وَيَحِلُّ) لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا (وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ بَاقِيَةً عَلَى دِينِهَا أَوْ انْتَقَلَتْ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ إمَائِهِنَّ) أَيْ إمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) لَا (لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ) مُسْلِمَيْنِ سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] فَشَرَطَ الْإِيمَانَ فِيهِنَّ وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ.
(وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) سَوَاءٌ كَانَ كَامِلَ الرِّقِّ أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ عَقْدٍ مِنْ حُرِّيَّةٍ، كَالْمُكَاتِبِ لِتَعَارُضِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ لَهَا عَلَيْهِ سَلْطَنَةُ الْمِلْكِ، وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ طَالَبَهَا بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ (عَبْدَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ كَعَبْدِهَا إذْ لَوْ مَاتَ لَوَرِثَتْهُ؛ وَلِأَنَّ لَهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الصَّنَمُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُمْ أَيْ كَعَابِدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا] يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ النَّصَارَى {ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] وَفِي حَقِّ الْيَهُودِ {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠] تَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ] ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِيَحِلُّ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَمَشَى عَلَيْهَا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ؛ لِأَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَتَتَأَكَّدُ الْكَرَاهَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ، وَهَذَا رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهَا، وَأَيْضًا رُبَّمَا تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْوَلَدُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِهَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي قَوْلِهِ، وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ إلَخْ] وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْمَجُوسِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا تُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ قَالَهُ عج فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ مُحْتَجًّا بِآيَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهَا: إنَّ رَبَّهَا عِيسَى.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا شَرُفَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَنِسْبَتُهُمْ إلَى الْمُخَاطَبَةِ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، أُبِيحَ نِسَاؤُهُمْ وَطَعَامُهُمْ وَفَاتَ غَيْرُهُمْ هَذَا الشَّرَفُ بِحِرْمَانِهِمْ.
[قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] إلَخْ] أَيْ الْحَرَائِرُ أَوْ الْعَفَائِفُ الْكِتَابِيَّاتُ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا] عَجَزَ عَنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ لِكَافِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: طَوْلًا] أَيْ فَضْلًا مِنْ الْمَالِ [قَوْلُهُ: الْمُحْصَنَاتُ] أَيْ الْحَرَائِرُ [قَوْلُهُ: فَمَا مَلَكَتْ إلَخْ] أَيْ فَلْيَنْكِحْ مَمْلُوكَةً مِنْ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ] ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَبَاهُ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا.
تَنْبِيهٌ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْحُرَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَيُرْجَمُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِمَجُوسِيٍّ أَوْ بِكَافِرٍ غَيْرِهِ لَمْ تُحَدَّ، وَإِنْ تَعَمَّدَتْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْنَادَ النِّكَاحِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ الضَّعِيفَةِ، وَانْظُرْ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِحِلِّ وَطْءِ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ الْمَجُوسِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا] ، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ [قَوْلُهُ: سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ] أَيْ وِلَايَةُ الزَّوْجِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا] الْمُرَادُ