يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ
(وَلَا يُفَرَّقُ) بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ (بَيْنَ الْأُمِّ) مِنْ النَّسَبِ فَقَطْ (وَبَيْنَ وَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ) وَنَحْوِهِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَافِرًا، وَالْآخَرُ مُسْلِمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ، وَالْآخَرُ كَافِرٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ مُمْتَنِعَةٌ، وَلَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ فِي الْحَضَانَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأُمِّ فَإِنْ رَضِيَتْ بِالتَّفْرِقَةِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَتَقْيِيدُنَا الْأُمَّ بِالنَّسَبِ احْتِرَازًا مِنْ الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ وَبِفَقَطْ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَبِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّفْرِقَةِ مُغَيَّا بِغَايَةٍ وَهِيَ (حَتَّى يَثْغِرَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى حَتَّى تَسْقُطَ أَسْنَانُهُ قَالَهُ ك، وَفِي ضَبْطِ غَرِيبٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يُثْغِرَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الثَّاءِ أَيْ تَسْقُطَ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ، أَوْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَمْ تَنْبُتْ أَسْنَانُهُ بَعْدَ سُقُوطِ الرَّوَاضِعِ اهـ. فَإِذَا أَثْغَرَ جَازَتْ التَّفْرِقَةُ حِينَئِذٍ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ أُمِّهِ فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَنَامِهِ وَقِيَامِهِ.
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ أَيْضًا [قَوْلُهُ: أَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُ إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ لَظَهَرَ لَهُ لَا إنْ بَاعَهُ بِفَوْرِ شِرَائِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِذَلِكَ وَهُوَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ
[قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِهَا] يَسْتَثْنِي الْحَرْبِيَّةَ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا لِلْمُعَاهَدِ التَّفْرِقَةُ، وَيُكْرَهُ لَنَا الِاشْتِرَاءُ مِنْهُ مُفَرَّقًا، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ عَلَى الْجَمْعِ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ غَيْرِهِمَا أَوْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُسِخَ رَجَعَ إلَى مِلْكِ الْمُعَاهَدِ، وَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ، وَانْظُرْ هَلْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْجَمْعِ أَيْضًا إذَا حَصَلَتْ التَّفْرِقَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ يُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُمْتَنَعُ مِنْ التَّفْرِقَةِ، وَيُفَرَّقُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الظَّرْفُ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ الْأُمِّ أَيْ دِنْيّة فَلَا تَحْرُمُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجَدَّةِ وَوَلَدِ وَلَدِهَا [قَوْلُهُ: كَهِبَةِ الثَّوَابِ] أَيْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلثَّوَابِ أَيْ أَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا أُجْرَةً أَوْ صَدَاقًا مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُعَاوَضَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِسْمَةُ فَمَنْ مَاتَ عَنْ جَارِيَةٍ وَأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ لَا يَجُوزُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدٌ الْأُمَّ، وَالْآخَرُ الْوَلَدَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا صَدَقَةً أَوْ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَاخْتُلِفَ فَقِيلَ: يُجْبَرَانِ عَلَى جَمْعِهِمَا بَعْدُ فِي مِلْكٍ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ وَتَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِتْقِ، وَيُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ اتِّفَاقًا.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ] وَسَوَاءٌ كَانَ وَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ زِنًا، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَأُمُّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْمَسْبِيَّةُ مَعَ صَغِيرٍ تَدَّعِيهِ أَنَّهُ وَلَدُهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا حَيْثُ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَتَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ الْمَانِعَةُ لِلتَّفْرِقَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ مَالِكَيْهِمَا أَوْ دَعْوَى الْأُمِّ مَعَ قَرِينَةِ صِدْقِهَا، وَتَصْدِيقُ الْمَسْبِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْبُنُوَّةِ فَلَا يَخْتَلِي بِهَا إذَا كَبِرَ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ هِيَ لَا تَرِثُ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ.
[قَوْلُهُ:، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأُمِّ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَتْ إلَخْ وَعَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ فَيُمْنَعُ، وَلَوْ رَضِيَتْ [قَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِالتَّفْرِقَةِ صَحَّ الْبَيْعُ] أَيْ وَجَازَ كَمَا يُفِيدُهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ] أَيْ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ بِالْمَرْعَى [قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ تَثْبُتْ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ، وَالْأَوَّلُ مِنْهَا مُغَايِرٌ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ جَعْلُهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَنَصُّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوْ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَيَجُوزُ أَيْضًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute