ثَلَاثَةٍ) عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ إذَا عُقِدَ السَّلَمُ عَلَى النَّقْدِ وَأُخِّرَ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ جَازَ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُعَجَّلًا وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ) التَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ (بِشَرْطٍ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شَرْطَيْ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: (وَأَجَلُ السَّلَمِ أَحَبُّ إلَيْنَا)
الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِالضَّمِيرِ نَفْسَهُ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ أَجَلِ السَّلَمِ (أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَلَفْظُ أَحَبُّ لِلْوُجُوبِ. ع: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ أَجَلَ السَّلَمِ مَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَوَّبَهُ ج، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَلَدٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَتَكُونُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَجَلَ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ اخْتِلَافُ الْأَسْعَارِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نِصْفَ يَوْمٍ وَلِمَا ذُكِرَ أَنَّ أَقَلَّ أَجَلِ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَمَنْ أَسْلَمَ) فِي شَيْءٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) عَلَى أَنَّهُ (يَقْبِضُهُ بِبَلَدٍ أَسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ أَجَازَهُ) بِمَعْنَى أَمْضَاهُ (غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ الْعُلَمَاءِ) مِنْهُمْ مَالِكٌ (وَكَرِهَهُ) بِمَعْنَى فَسَخَهُ (آخَرُونَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ.
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: عَلَى النَّقْدِ] أَيْ الْحُلُولِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُعَجَّلًا] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْجِيلَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ هُوَ التَّعْجِيلُ حَقِيقَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ ثَلَاثَةً يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ التَّعْجِيلُ أَوْ التَّأْخِيرُ ثَلَاثًا [قَوْلُهُ: وَأَجَلُ السَّلَمِ] أَيْ وَأَقَلُّ أَجَلِ السَّلَمِ [قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِالضَّمِيرِ نَفْسَهُ] أَيْ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَجَلُ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى مَا نَخْتَارُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِ أُحِبُّ لِلْوُجُوبِ قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ أَيْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَفْظُ أُحِبُّ لِلْوُجُوبِ لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَغَيَّرُ إلَخْ] أَيْ وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَجَلِ فَمُنْتَهَاهُ مَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ الْبَائِعُ إلَيْهِ غَالِبًا كَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ سِتِّينَ إنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ بِالْمَوْتِ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِشُرُوطِ أَنْ يَدْخُلَا عَلَى قَبْضِهِ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ. وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخُرُوجُ فَوْرًا وَيَخْرُجُ الْمُسْلِمُ بِالْفِعْلِ، وَأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ فِي الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ بِغَيْرِ رِيحٍ كَالْمُنْحَدِرِينَ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَّا بِنِصْفِ الشَّهْرِ.
[قَوْلُهُ: يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً] الْأَوَّلُ هُوَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ كَمَا فِي تت فَأَوْ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الرَّاجِحُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَجَازَهُ إلَخْ] أَيْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَالثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلَا تَحْدِيدَ فِي الْحَدِيثِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نُقْصَانٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَمْضَاهُ] لَيْسَ هَذَا لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ يُمْضِي بَلْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ بَلْ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَابِلَ يَقُولُ بِالْفَسْخِ، فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ [قَوْلُهُ: مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ] هَذَا لَا يُنَاسِبُهُ مَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute