للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِبْحٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ أُمُورًا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْعَامِلُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْعَامِلِ) أَيْ وُجُوبًا (كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ) الْمُرَادُ بِهِ نَفَقَتُهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا السَّفَرُ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ أَوْ لِحَجٍّ أَوْ لِغَزْوٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهُ بَالٌ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إذَا سَافَرَ فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ) ظَاهِرُهُ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّعَامِ (وَ) أَمَّا الْكِسْوَةُ فَ (إنَّمَا يُكْتَسَى فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ) لَا الْقَرِيبِ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا لَا قَلِيلًا، وَحَدُّ الْقَرِيبِ مِثْلُ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ خَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَأَكْثَرُ (وَلَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا جَعَلَ ثَمَنَ الْعَرْضِ الْمَبِيعِ بِهِ هُوَ الْقِرَاضَ، وَأَمَّا إذَا جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ نَفْسَ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتَهُ الْآنَ أَوْ يَوْمَ الْمُفَاصَلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَوَلَّى بَيْعَهُ غَيْرُهُ اهـ.

وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُنَافِي تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ. تَتِمَّةٌ:

كَمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا مَضْرُوبًا أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك قِرَاضًا أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ لِي قِرَاضًا بِالرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَك أَوْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَك، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ مَجْهُولَ الْكَمِّيَّةِ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ كَرُبْعِ الرِّبْحِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ لَا غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ. وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ لَفْظِهِ الْخَاصَّ بَلْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّتُهَا بِالْمُعَاطَاةِ.

[قَوْلُهُ: ذَهَابًا وَإِيَابًا] أَيْ كَإِقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّتِي يَتَّجِرُ بِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ فَإِنْ بَنَى بِهَا أَيْ أَوْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ فَإِنَّ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَفِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا السَّفَرُ] فَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ السَّفَرِ إنْفَاقٌ أَيْ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ التَّزَوُّدُ لِلسَّفَرِ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُقْتَاتُ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَهُ النَّفَقَةُ [قَوْلُهُ: لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُنْفِقُ لَا فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي إيَابِهِ إلَّا فِي السَّفَرِ لِبَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ فِي مُدَّةِ الذَّهَابِ، وَالْإِقَامَةِ لَا فِي مُدَّةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ أَوْ الْقُرْبَةِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَالذَّهَابِ فَلَا يُنْفَقُ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ مِنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ.

فَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا لَا الْأَقَارِبُ، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ السُّرِّيَّةُ وَمِثْلُ سَفَرِ الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ السَّفَرُ لِسَائِرِ الْقُرَبِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَا فَرْقَ فِي سُقُوطِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْإِنْفَاقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِلْمَالِ أَوْ مَتْبُوعَةً، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْفَاقُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنْ هَلَكَ أَوْ زَادَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ بِطُرُوِّ حَادِثٍ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي إذَا أَنْفَقَ سَرَفًا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ وَيَلْحَقُ بِالْإِنْفَاقِ الْجَائِزِ أُجْرَةُ نَحْوِ حَجَّامٍ وَصَاحِبِ حَمَّامٍ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ التَّاجِرُ عُرْفًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ، وَيَجُوزُ لَهُ إكْرَاءُ خَادِمٍ فِي السَّفَرِ مِنْ مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لَأَنْ يَخْدُمَهُ خَادِمٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْتَخْدَمْ كَفِي حَضَرٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فِي الْقِرَاضِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِخْدَامِهِ، وَإِنْ تَأَهَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْمَالُ لَمْ يُسْتَخْدَمْ.

وَأَمَّا عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ وَكَوْنِهِ لِغَيْرِ حَجٍّ وَغَزْوٍ وَقُرْبَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ [قَوْلُهُ: إذَا سَافَرَ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إذَا اتَّجَرَ بِهِ فِي بَلَدٍ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ يَسِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ] أَيْ فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالْكَثْرَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ بِالْعُرْفِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَحَدٍ لِمَا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَوَقَعَ لِمَالِكٍ السَّبْعُونَ يَسِيرٌ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْخَمْسِينَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى السَّفَرِ الْبَعِيدِ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْقَرِيبِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُعْدِ السَّفَرِ بُعْدُ مَسَافَتِهِ، أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهُ وَطَالَ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ فَلَوْ فَسَّرَ الْبَعْدَ بِمَا تَطُولُ فِيهِ الْمُدَّةُ لَشَمِلَهَا أَيْ بِحَيْثُ يُمْتَهَنُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ] أَيْ فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>