[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]
ثُمَّ عَقَّبَهَا بِالْكَلَامِ عَلَى الْمُسَاقَاةِ لِتَقَارُبِهِمَا فَقَالَ: (وَالْمُسَاقَاةُ) مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَلِيلٌ نَحْوَ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ كَرْمَهُ أَوْ حَائِطَ نَخْلِهِ مَثَلًا لِمَنْ يَكْفِيهِ الْقِيَامَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السَّقْيِ وَالْعَمَلِ عَلَى أَنَّ مَا أَطْعَمَ اللَّهُ مِنْ ثَمَرِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا (جَائِزَةٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا، وَمِنْ الْإِجَارَةِ بِالْمَجْهُولِ
وَلَهَا شُرُوطٌ مِنْهَا الْعَاقِدَانِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ الْإِجَارَةِ، وَمِنْهَا أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
بَابُ الْمُسَاقَاةِ
[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُفَاعَلَةِ] أَيْ مِنْ صِيَغِ الْمُفَاعَلَةِ.
وَقَوْلُهُ: الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ، ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ اللُّغَةِ كَمَا هُوَ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَلِيلٌ] أَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَعَافَاهُ اللَّهُ] أَيْ مِنْ الْمُعَافَاةِ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ وَحْدَهُ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا إلَخْ] .
مُفَادُهُ أَنَّ كَوْنَهَا مِنْ صِيَغِ الْمُفَاعَلَةِ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمُسَاقَاةُ أَنْ يُعْمِلَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي نَخِيلٍ أَوْ كُرُومٍ لِيَقُومَ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِمَّا يَفْعَلُهُ [قَوْلُهُ: كَرْمَهُ] وِزَانُ فَلْسٍ الْعِنَبُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ حَائِطُ كَرْمِهِ لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْطُوفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ] أَيْ بِمَا يَحْتَاجُ الْكَرْمُ أَوْ الْحَائِطُ [قَوْلُهُ: وَالْعَمَلِ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَنُكْتَةُ ذِكْرِ الْخَاصِّ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعَامِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُعْظَمَ عَمَلِهَا السَّقْيُ أَيْ وَالْبَعْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُسْقَى إلَّا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمُؤَنِ يَقُومُ مَقَامَ السَّقْيِ [قَوْلُهُ: نِصْفَيْنِ] خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ أَمْكَنَ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ عَلَى جُزْءٍ إلَخْ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ] أَيْ كَثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ عَدَمُ شُمُولِ مُسَاقَاتِهِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِلْعَامِلِ مَعَ أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ لِلْعَامِلِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ] أَيْ فَالْحُكْمُ ثُبُوتُ الْجَوَازِ وَلَوْ أَبْقَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ الْمُفَادُ أَنَّ حُكْمَهَا الْجَوَازُ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجَوَازَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ.
[قَوْلُهُ: أَهْلَ خَيْبَرَ] مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى جِهَةِ الشَّامِ عَلَى شَطْرٍ أَيْ نِصْفٍ.
[قَوْلُهُ: مِنْهَا] أَيْ مِنْ أَرْضِهَا بِوَاسِطَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ مِنْ ثَمَرٍ [قَوْلُهُ: الْمُخَابَرَةِ] مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَبَرْتُ الْأَرْضَ شَقَقْتهَا لِلزِّرَاعَةِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] بَحْثٌ فِيهِ بِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُكْتَرَاةٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا الْمُكْتَرَى الْعَامِلُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَالْبَيَاضِ الْمُشْتَرَطِ عَلَى الْعَامِلِ زَرْعُهُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا [قَوْلُهُ: وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ] أَيْ بَاعَهَا بِمَنَافِعِ الْعَامِلِ [قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةِ بِهَا] أَيْ أَجْرُ الْعَامِلِ نَفْسِهِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَقَبْلَ وُجُودِهَا] أَيْ أَوْ قَبْلَ وُجُودِهَا
[قَوْلُهُ: مِنْهَا الْعَاقِدَانِ] فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute