كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ أَرَادَ بِهِ التَّدْبِيرَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ.
الثَّانِي: الْمُدَبِّرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ.
الثَّالِثُ: الْمُدَبَّرُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا
(ثُمَّ) إذَا دَبَّرَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ عَبْدَهُ (لَا يَجُوزُ لَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (بَيْعُهُ) فَإِنْ بِيعَ فُسِخَ بَيْعُهُ وَصَارَ مُدَبَّرًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ عِتْقٌ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَضَى وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ.
ج: قَوْلُهُ: ثُمَّ إلَخْ يُرِيدُ إلَّا فِي دَيْنٍ سَابِقٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيْعِ بَلْ وَكَذَلِكَ هِبَتُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الَّذِي دَبَّرَ عَبْدَهُ (خِدْمَتُهُ) بِمَعْنَى اسْتِخْدَامِهِ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ إلَى أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
وَضَمِّهَا، وَالْجَارِحَةُ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الضَّمَّ فِي غَيْرِهَا.
وَقَالَ ك: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: التَّدْبِيرُ عِتْقُ الْعَبْدِ عَنْ دُبُرِ صَاحِبِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي مَعْنَاهُ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ إدْبَارٍ كَائِنٍ مِنِّي أَيْ بَعْدَ إدْبَارٍ كَائِنٍ مِنِّي، أَيْ أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي مِنْ كُلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى مَوْتِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّحَتُّمِ وَاللُّزُومِ بِخِلَافِ تَقْيِيدِهِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ مَا لَمْ أُغَيِّرْ ذَلِكَ أَوْ أَرْجِعْ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ وَصِيَّةً. [قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي] أَيْ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ. [قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ] فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا فَلَا يَلْزَمُ، وَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ كَوَصِيَّتِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَةُ الصِّحَّةِ التَّوَقُّفُ عَلَى رِضَا الْوَلِيِّ وَرَدُّهُ مَعَ أَنَّهُ هُنَا لَيْسَ لَهُ الْإِمْضَاءُ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمَالِهِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّتِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ فَائِدَتَهُ فِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ يَكُونُ لَهُ رَدُّهُ وَإِمْضَاؤُهُ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: تَكْلِيفُ السَّكْرَانِ وَلَوْ طَافِحًا بِحَرَامٍ لَا بِحَلَالٍ فَلَا يَلْزَمُ الطَّافِحَ، وَخَرَجَ بِالرُّشْدِ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ وَكَذَا السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ اتَّسَعَ مَالُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَكَذَا الْمُهْمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ
وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَهُ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْجِ إذَا دَبَّرَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَمْضِي وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ غَيْرَ الَّذِي دَبَّرَتْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الرِّقِّ إلَى الْمَوْتِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّدْبِيرِ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَيُؤَجَّرُ لَهُ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ السَّيِّدُ فَيَرْجِعُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَأَمَّا تَدْبِيرُ الْكَافِرِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَقَاوَيَاهُ فَإِنْ صَارَ لِلْمُدَبَّرِ صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا وَإِلَّا صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ] أَيْ خَالِطَةُ رِقٍّ بِمَعْنَى مُخْتَلِطَةٍ أَيْ حَالَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِحُرِّيَّةٍ وَتِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الرِّقِّيَّةُ أَوْ حَالَةٌ مَخْلُوطَةٌ بِحُرِّيَّةٍ وَهِيَ الرِّقِّيَّةُ فَظَهَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ وَأَنَّ فَاعِلَةً إمَّا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، فَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ يَجُوزُ تَدْبِيرُهُمَا وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ ثَمَرَةٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ قُلْت: لَا يَشْمَلُ كَلَامُهُ الْقِنَّ قُلْت: هُوَ مَفْهُومٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ] لَا يُقَالُ يُشْكِلُ عَلَى حُرْمَةِ الْبَيْعِ جَوَازُ الْمُقَاوَاةِ إذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ، وَفِيهَا بَيْعُ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُقَاوَاةِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعَ احْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرَ الْجَمِيعِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَضَى] أَيْ إذَا نَجَزَ عِتْقَهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مَاضِيًا مَعَ الْعِتْقِ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُدَبِّرِهِ فَلَا يَمْضِي لِأَنَّ الْوَلَاءَ انْعَقَدَ لِمُدَبِّرِهِ، أَمَّا بِحَمْلِ الثُّلُثِ لِجَمِيعِهِ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضِهِ فَيُعْتَقُ بَعْضُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي دَيْنٍ سَابِقٍ] أَيْ عَلَى التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلُهُ فِي الدَّيْنِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ فِي حَالِ حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّدْبِيرِ فَلَا يُبَاعُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَيُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ عج:
وَيُبْطِلُ التَّدْبِيرَ دَيْنٌ سَبَقَا ... إنْ سَيِّدٌ حَيًّا وَإِلَّا مُطْلَقَا
وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ مَوْتِ السَّيِّدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُعْتَقُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى