للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِبَعْضِ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ) أَوْ جُلَّهُ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ أَوْلَادُهُ الْآخَرُونَ فَيَمْنَعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» (وَأَمَّا) إذَا وَهَبَ لَهُ (الشَّيْءَ) الْيَسِيرَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ (فَذَلِكَ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَقَيَّدْنَا بِالْيَسِيرِ لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا.

قُلْت: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، أَمَّا إذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ) عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا لَمْ يَمْنَعْهُ وَلَدُهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا لَمْ يَمْرَضْ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ جَائِزٌ بِشَرْطِهِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَنْ مُؤْنَتِهِ

(وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً) لِغَيْرِ الثَّوَابِ (فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ) لَهُ (حَتَّى مَرِضَ

ــ

[حاشية العدوي]

وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ.

[قَوْلُهُ: وَلَدُهُ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ وَلَوْ مَرِيضًا.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيَمْضِي مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْآخَرُونَ فَلَهُمْ رَدُّهُ هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ نَسَبَ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا لِلَّخْمِيِّ وَقَضِيَّةُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ وَانْظُرْهُ.

[قَوْلُهُ: مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ] صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ وَصَحِيحُ مُسْلِمٍ فَفِيهِ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَعَلْت هَذَا بِوَلَدِك كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لَا قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» . فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ اهـ.

وَبَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَاحِدٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّدَقَةِ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ، وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ الْجُلُّ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ.

[قَوْلُهُ: الْيَسِيرُ] أَيْ مَا عَدَا الْجُلِّ فَيَصْدُقُ بِالنِّصْفِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْأَبِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا سِوَى هِبَةِ الثَّوَابِ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ] هَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يُوَافِقُ تَقْيِيدَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا وَوَهَبَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَتَقْيِيدُهُ بِأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ الْيَسِيرَ مِنْ مَالِهِ لَا أَنَّ مَالَهُ يَسِيرٌ وَوَهَبَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ عَجَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَيِّدَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا وَيُكْرَه بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ: وَحَرِّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ] أَيْ لِبِنْتِهِ عَائِشَةَ إلَّا أَنَّ هِبَتَهَا لَمْ تَتِمَّ لِأَنَّهُ وَهَبَهَا بَعْضَ الثِّمَارِ وَتَأَخَّرَتْ عَنْ حَوْزِهَا حَتَّى مَرِضَ أَبُوهَا مَرَضَ الْمَوْتِ فَبَطَلَتْ الْهِبَةُ لَهَا.

[قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ] وَسَكَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ.

[قَوْلُهُ: بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ] وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَسَوَّى بَيْنَهُمْ فَلَا كَرَاهَةَ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَاضٍ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ وَمُفَادُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِأَلَّا يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ، وَإِمَّا إذَا كَانَ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.

[قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يَمْرَضْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَتَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ إلَخْ] وَقَالَ التَّادَلِيُّ: يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةٍ إذْ لَا قَائِلَ بِجَوَازِهِ دُونَهَا اهـ.

وَلَعَلَّ الشَّارِحَ رَدَّهُ بِقَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ إلَخْ وَحَرِّرْ.

[قَوْلُهُ: جَائِزٌ بِشَرْطِهِ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ، ثُمَّ نَقُولُ: أَرَادَ بِالْجَوَازِ خِلَافَ الْأَوْلَى أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ رَاضِيَةً لَا تَخْشَى ضَجَرًا وَإِلَّا نُدِبَ، وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ ضَيَاعُ عِيَالِهِ وَإِلَّا حَرُمَ، كَمَا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ مَالٍ حَرَامٍ بِتَصَدُّقِهِ بِكُلِّ مَالِهِ الْحَلَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَنَدْبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِصَدَقَتِهِ طَالِبَ عِلْمٍ وَمُنْقَطِعًا لِعِبَادَةٍ وَصَدِيقًا فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقْصِدُ بِصَدَقَتِهَا أَهْلَ الْعِلْمِ وَكَذَا ابْنُ الْمُبَارَكِ.

[قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الثَّوَابِ] أَيْ لِغَيْرِ ثَوَابِ الدُّنْيَا بَلْ لِوَجْهِ الْمُعْطِي.

[قَوْلُهُ: فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ] أَيْ وَلَمْ يَجِدَّ فِي حَوْزِهَا.

[قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>