للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ دُورًا وَحَوَائِطَ

وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الْوَاقِفُ وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَمَنْ حَبَسَ) وَشَرْطُ الْأَوَّلِ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالثَّانِي: شَيْئَانِ الصِّيغَةُ وَهِيَ وَقَفْت وَتَصَدَّقْت وَحَبَسْت أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ عُرْفًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَنَاهُ لِلصَّلَاةِ، وَالثَّالِثُ: الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (دَارًا) وَكَذَا يَجُوزُ وَقْفُ الْحَيَوَانِ وَالْعَرُوضِ، وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ كَالْقَمْحِ وَوَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ تَرَدُّدٌ. رَابِعُهَا؛ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:

ــ

[حاشية العدوي]

الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي اللُّزُومِ.

[قَوْلُهُ: وَنَقَلَ بَهْرَامُ] هَذَا مُفَادُ قَوْلِهِ عَلَى مَا نَقَلَ ك.

[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ إلَخْ] أَيْ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْهُمْ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ] أَيْ تِسْعَ حَوَائِطَ.

[قَوْلُهُ: وَعُمَرَ] لَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ، وَفِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ حَبَسَ وَعُمَرُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ حَبَسُوا دُورًا وَحَوَائِطَ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ دُورًا أَوْ حَوَائِطَ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ تَحْبِيسَهُمْ تَعَلَّقَ بِجِنْسِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ] اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْوَقْفُ الصِّيغَةُ.

وَقَوْلُهُ: وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ إلَخْ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَبَسَ لِلصِّيغَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّحْبِيسَ فِعْلٌ مُتَجَدِّدٌ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ إلَّا الصِّيغَةُ.

[قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ] أَيْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْهِبَةِ يُقَالُ هُنَا فَإِنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ سَائِرُ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ.

قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ: وَوَقْفُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَالثَّانِي] أَيْ مَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ شَيْئَانِ.

[قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ] هِيَ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ بَلْ وَلَا التَّنْجِيزُ.

وَقَوْلُهُ: وَهِيَ وَقَفْت أَيْ أَنَّ صِيَغَهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمَّا حَبَسْت وَوَقَفْت فَمُطْلَقًا وَأَمَّا تَصَدَّقْت فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَارِنَهُ قَيْدٌ كَأَنْ يَقُولَ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ كَالْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ قَيَّدَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِغْلَالِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَعَلَى الْجِهَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَقَوْلِهِ: دَارِي مَثَلًا صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا يَسْتَغِلُّونَهَا أَوْ يَسْكُنُونَهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ: دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى زَيْدٍ يَسْكُنُهَا أَوْ يَسْتَغِلُّهَا فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ أَيْضًا بِالْمَعْنَى مِنْ عَجَّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ] هُوَ الشَّيْءُ الثَّانِي.

[قَوْلُهُ: عُرْفًا] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ أَيْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ فِي الْعُرْفِ.

[قَوْلُهُ: كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخُصَّ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَلَا فَرْضًا دُونَ نَفْلٍ.

[قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ] شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ ذَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَوَقْفُ الْآبِقِ صَحِيحٌ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ الْقَسْمَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ الْبَيْعَ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقَسْمَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ أَرَادَهُ الشَّرِيكُ وَيُجْعَلُ الثَّمَنُ فِي مِثْلِهِ وَهَلْ يُجْبَرُ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ.

[قَوْلُهُ: وَقْفُ الْحَيَوَانِ] أَيْ وَلَوْ رَقِيقًا.

[قَوْلُهُ: وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ] احْتِرَازًا عَنْ طَعَامٍ لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ بِأَنْ يَفْسُدَ بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَيْ وَقْفُ الطَّعَامِ وَالنَّقْدِ عَلَى مَنْ يَسْتَلِفُهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ التَّرَدُّدَيْنِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ تَطُولُ إقَامَتُهُ وَنُزِّلَ بَدَلُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ دَوَامِ الْعَيْنِ.

وَالثَّانِي يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَالْوَقْفُ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ هَكَذَا تَرَدَّدَ عَجَّ.

وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ وَقْفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الطَّعَامِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.

[قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>