للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالزَّمَانِ، وَإِنَّمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُجْلَبُ) الْحَالِفُ (إلَى مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةَ (وَ) إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (وَ) إلَى (بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَهْلُ أَعْمَالِهَا) أَيْ طَاعَتِهَا (لِلْقَسَامَةِ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَسَافَةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْدَعُ لِلْكَاذِبِ لِشَرَفِهَا (وَلَا يُجْلَبُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ) حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِعَشَرَةٍ.

(وَلَا قَسَامَةَ فِي جُرْحٍ) ك: رُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا جَرَحَ شَخْصٌ شَخْصًا وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يُقْسِمُ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقَسَامَةُ فِي الْجُرُوحِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ (وَ) كَذَا (لَا) قَسَامَةَ (فِي) قَتْلِ (عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْحُرِّ وَإِنَّمَا فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا (وَ) كَذَا (لَا) قَسَامَةَ (بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ) مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَإِذَا ثَبَتَ قَتْلُهُ لَهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَخَذَ وَلِيُّهُ دِيَتَهُ وَيُضْرَبُ

ــ

[حاشية العدوي]

تَقْيِيدًا.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالزَّمَانِ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَخْ فَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِعَدَمِ التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ.

[قَوْلُهُ: أَهْلُ أَعْمَالِهَا] نَائِبُ فَاعِلِ يُجْلَبُ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ الْحَالِفُ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَوْصُوفِ بِنَائِبِ الْفَاعِلِ، أَيْ أَهْلُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ لَهَا الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ.

[قَوْلُهُ: لِلْقَسَامَةِ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْلَبُ أَحَدٌ إلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ فِي حَلِفٍ غَيْرِ الْقَسَامَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.

[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ] أَيْ مَوْضِعُ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَانْظُرْ هَلْ ذَهَابًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُجْلَبُ أَوْ ذَهَابًا وَإِيَابًا كَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ عَشَرَةَ أَمْيَالٍ أَيْ لَا أَيَّامٍ. كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ أَعْمَالُهَا عَلَى أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةٍ.

[قَوْلُهُ: أَيْ إلَى غَيْرِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى إلَى، أَيْ إلَى غَيْرِهَا مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ عِنْدَ الْحَالِفِ.

[قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ] أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَلْبُ مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَعْمَلُ الْمُصَلِّي إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَإِيلْيَا» .

[قَوْلُهُ: حَدَّهَا بَعْضُهُمْ] أَفْصَحَ عَنْ هَذَا تت بِقَوْلِهِ: قِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ عَشَرَةٌ، وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضٍ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ وَمَا قَارَبَهَا.

[قَوْلُهُ: رُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الِاسْمُ إلَخْ] وَلَمْ يُتِمَّ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ، وَيُجْمَعُ الِاسْمُ عَلَى جُرُوحٍ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ مِنْ رِوَايَتِهِ كَالضَّمِّ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: وَبِالْفَتْحِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالضَّمِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَيَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَاقْتِصَارُ تت عَلَى الضَّمِّ يُؤَيِّدُهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ] أَيْ فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ شَاهِدَانِ فَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ إلَّا عِنْدَ الْمُكَافَأَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي بَرِئَ الْجَارِحُ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ وَغَرِمَ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ الدَّعْوَى عَنْ الشَّاهِدِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ.

[قَوْلُهُ: لَا قَسَامَةَ فِي عَبْدٍ] أَيْ وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ لِأَنَّهُ مَالٌ.

[قَوْلُهُ: إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ] أَيْ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ غَرِمَ قِيمَتَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ حَلَفَ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَيْضًا.

[قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ: مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ ظَاهِرُهَا أَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِرٌ.

وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ الْمُسْلِمِ وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عَدْلَانِ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ إذَا قَتَلَ إذَا تَحَقَّقَ قَتْلُهُ بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ قَتْلُهُ إلَخْ] أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ دِيَتَهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ مَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>