للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَبَيْنَ التَّقَرُّبِ.

(وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ) الْوَاجِبَ (فَاَللَّهُ حَسْبُهُ) يَنْتَقِمُ مِنْهُ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ بِقَتْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ عِنْدَهُ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي.

(وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ (جَحْدًا لَهَا) أَيْ لِوُجُوبِهَا أَوْ لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ جَحَدَ غَيْرَهَا مِنْ الْفَرَائِضِ كَالْحَجِّ أَوْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ (فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) كُفْرًا لَا حَدًّا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَمَنْ سَبَّ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا (قُتِلَ حَدًّا) إنْ تَابَ لَا كُفْرًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِهَذَا قَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ،

ــ

[حاشية العدوي]

تَقَدَّمَ

[قَوْلُهُ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ] أَيْ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا.

[قَوْلُهُ: أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا] بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ قَهْرًا، أَوْ كُرْهًا بِمَعْنَى التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ فَبِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ] مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَإِذَا مَاتَ فَيَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا بِخِلَافِ دَمِ الْفَقِيرِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ الْمُمْتَنِعُ مَالًا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَلَاءِ لِلْإِمَامِ سَجْنُهُ حَتَّى يُظْهِرَ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْمَالِ وَاتُّهِمَ بِإِخْفَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَحْلِفُ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ] هُمْ الَّذِي خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لِلزَّكَاةِ الْإِمَامَ.

[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ] قَدْ يُقَالُ إنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ نَائِبَةٌ عَنْ نِيَّتِهِ.

تَنْبِيهٌ:

مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا

[قَوْلُهُ: فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ.

[قَوْلُهُ: إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ] أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ فِي الظَّاهِرِ.

[قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ] قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحَلَّ إلَخْ] أَيْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْكُفْرِ [قَوْلُهُ: كَالْمُرْتَدِّ] أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ.

[قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ التَّوْبَةَ. وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتُبْ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الِارْتِدَادِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ ظَرْفَهُ الْعُمْرُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ] أَيْ شَتَمَ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ] سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَقَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ.

[قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّحَصُّنَ بِاَللَّهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ عَابَهُ] أَيْ نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فِي خُلُقٍ أَوْ دِينٍ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا] أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ كَأَنْ قَالَ: أَسْوَدُ أَوْ قَصِيرٌ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا بِقَوْلِهِ: أَوْ عَابَهُ لِأَنَّهُ إذَا نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ فَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا.

[قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا إنْ تَابَ إلَخْ] أَيْ أَوْ أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ وَلَا دَعْوَى سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: قُتِلَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي قَتْلِ السَّابِّ الْمُسْلِمِ أَوْ صُلْبِهِ حَيًّا.

[قَوْلُهُ: وَلِهَذَا] أَيْ وَلِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَتْلُهُ، وَلَا بُدَّ فَيَكُونُ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ قُتِلَ حَدًّا.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ] أَيْ كَالزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالسَّارِقِ سِوَى الْمُحَارِبِ فَإِنَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِتْيَانِهِ لِلْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّ قَتْلَهُ كُفْرٌ. اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>