للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى.

وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ فَقِيلَ: مِنْ الْكُوعِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ. وَمِنْ الرِّجْل فَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَيُتْرَكُ لَهُ آخِرُ مُؤَخِّرِ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ وَالنَّفْيُ الْإِخْرَاجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَأَقَلُّ الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إلَيْهِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَالنَّفْيُ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ الْحُرِّ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَلَا يُنْفَيَانِ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بِنَفْيِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِهِ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ) أَيْ لَمْ يُظْهَرْ (عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ) إلَى الْإِمَامِ (تَائِبًا وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ) تَعَالَى (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ وَهِيَ الْقَتْلُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] فَاسْتَثْنَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَحَقُّ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ، وَصَرَّحَ بِالْحَقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ) الَّتِي جَنَاهَا فِي حَالِ حِرَابَتِهِ (مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.

(وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ) جَمْعُ لِصٍّ (ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا سَلَبُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ) سَوَاءٌ أُخِذَ فِي حَالِ تَلَصُّصِهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا، وَسَوَاءٌ أَخَذَ الْمَالَ هُوَ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِينَ شَرِيكٌ، وَاللُّصُوصُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حُمَلَاءُ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ غَرِمَ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا الْمُجْتَمَعُونَ عَلَى السَّرِقَةِ فَكُلٌّ مُخَاطَبٌ بِمَا أَخَذَهُ خَاصَّةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا تَعَاوَنُوا فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ.

وَقَوْلُهُ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ

ــ

[حاشية العدوي]

مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى] قَالَ تت: فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الْقَطْعِ فِي وَقْتَيْنِ اهـ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً إلَخْ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ.

[قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ الْكُوعِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ] أَيْ قَطْعًا آتِيًا عَلَى مُنْتَهَى الْأَصَابِعِ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ] أَيْ أَوْ يَمُوتَ لَا أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَيَكُونُ النَّفْيُ بَعْدَ الضَّرْبِ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ عَبْدًا تَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الصَّلْبِ ثُمَّ الْقَتْلِ، وَلَا يُنْفَى إلَّا بِرِضَا السَّيِّدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالنَّفْيِ إلَى بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً.

[قَوْلُهُ: حَتَّى جَاءَ إلَى الْإِمَامِ تَائِبًا] أَيْ أَوْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرَابَةِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، أَيْ فَحَدُّهَا يَسْقُطُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْمِينُهُ، وَإِنْ جَازَ لَهُ تَأْمِينُ الْكَافِرِ.

[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ مُوسِرًا مِنْ حِينِ أَخَذَ الْمَالَ إلَى حِينِ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ، وَإِنْ أَعْسَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَنْ جَاءَ تَائِبًا أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ إنْ وُجِدَ وَاتُّبِعَ بِهِ إنْ أَعْدَمَ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ النَّفْيُ أَوْ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ دُونَ النَّفْيِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْأَوَّلُ مُرْتَضَى أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

وَالثَّانِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ اُنْظُرْ عج.

[قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ] أَيْ الْمُحَارِبِينَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا السَّارِقُ بَلْ الْمُحَارِبُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ] كَانَ مَا أَخَذَهُ أَصْحَابُهُ بَاقِيًا أَوْ لَا، نَابَهُ شَيْءٌ مِمَّا نَهَبُوهُ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ عَمَّنْ عَدَاهُ حَيْثُ لَزِمَ مَنْ عَدَاهُ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبُغَاةُ وَالْغُصَّابُ فَإِنْ وُجِدَ بِيَدِ غَاصِبٍ بَعْضُ مَالٍ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمْ اسْتَبَدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>