للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ.

(وَالْمُحَارِبُ) الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ (لَا عَفْوَ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ) أَيْ أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا (فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) وُجُوبًا إذَا كَانَ مُكَلَّفًا وَلَوْ عَفَا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدًا (فَيَسَعُ) أَيْ يَبْذُلُ (الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ) اسْتِحْبَابًا (بِقَدْرِ جُرْمِهِ) أَيْ اكْتِسَابِهِ لِلْمَعَاصِي وَالطُّغْيَانِ (وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ فِي فَسَادِهِ) فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ كَافِيًا فِي رَدْعِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ فَعَلَ بِهِ أَشَدَّ الْعُقُوبَاتِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ أَيْسَرَ الْعُقُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْيُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَبْذُلُ الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ فَقَالَ: (فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ يُقَطِّعُهُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يَنْفِيهِ إلَى بَلَدٍ يُسْجَنُ بِهَا حَتَّى يَتُوبَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ ع: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ إمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ أَوْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ.

وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الصَّلْبَ حَدٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمُ الصَّلْبُ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ. بِالسَّيْفِ أَوْ الرُّمْحِ وَلَا يُقْتَلُ عَلَى صِفَةٍ يُعَذَّبُ بِهَا وَلَا بِحِجَارَةٍ، وَالصَّلْبُ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيَكُونُ قَائِمًا لَا مُنَكَّسًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مِنْهَا وَمَعْنَى

ــ

[حاشية العدوي]

وَرَثَتُهُ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّارِكُ لَهَا جَحْدًا فَذَلِكَ مُرْتَدٌّ بِلَا رَيْبٍ.

الرَّابِعُ: السَّابُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتُبْ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُرْتَدِّ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ] أَيْ الَّذِي تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قُلْت: وَكَذَا الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ يَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ كَافِرًا فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْغَيْرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِ

[قَوْلُهُ: لَا عَفْوَ فِيهِ] جَائِزٌ.

[قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ] بَلْ وَلَوْ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ بِإِعَانَةٍ كَضَرْبٍ أَوْ إمْسَاكٍ، بَلْ وَلَوْ بِالْمُمَالَأَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ مَفْسَدَةٌ أَشَدُّ كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي عَرَبِ أَفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَخْصًا وَقَتَلُوهُ بِهِ يُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ بِهِ خَلَائِقَ كَثِيرَةً.

[قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُكَلَّفًا] أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَاقَبُ حَارَبَ بِالسَّيْفِ أَوْ الْعَصَا. تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: وَالطُّغْيَانِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

[قَوْلُهُ: فُعِلَ بِهِ أَشَدُّ] أَيْ نَدْبًا أَيْ وَإِذَا كَانَ ذَا تَدْبِيرٍ نُدِبَ قَتْلُهُ وَتَحْتَهُ أَمْرَانِ قُتِلَ فَقَطْ أَوْ صُلِبَ ثُمَّ قُتِلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بَلْ يَنْدُبُ لَهُ النَّظَرُ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ أَيْ وَلَا تَدْبِيرٍ، وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ حَالِ مَنْ كَثُرَ مَقَامُهُ فِي الْفَسَادِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ وَلَا بَطْشٍ وَلَا تَدْبِيرٍ النَّفْيُ وَالضَّرْبُ كَمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ حَالِهِ نَادِمًا عَلَى ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ النَّفْيُ] أَيْ وَالضَّرْبُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْقُصُورِ وَعَدَمِ التَّطْبِيقِ لِكَلَامِهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِمَّا قَتَلَهُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ يَصْلُبُهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ] فَيَصْلُبُهُ حَيًّا عَلَى خَشَبَةٍ يُرْبَطُ جَمِيعُهُ بِهَا لَا مِنْ أَعْلَاهُ فَقَطْ كَإِبْطَيْهِ وَوَجْهِهِ أَوْ ظَهْرُهُ لَهَا غَيْرَ مَنْكُوسٍ، فَالصَّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَقْتُلَهُ فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَصْلُبْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ مِنْ الْحُدُودِ شَيْئًا، وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحَبْسِ لَصَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ] فَإِنْ قُلْت: مَا جَوَابُ الْمَشْهُورِ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ قُلْت: جَوَابُهُ الْأَخْذُ مِنْ السُّنَّةِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلْبَ وَحْدَهُ يَكْفِي كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يَكْفِي.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الصَّلْبَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ.

[قَوْلُهُ: وَالرُّمْحِ] أَيْ بِوَضْعِهِ فِي لَبَّتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَائِمًا إلَخْ] وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ يَدَاهُ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الرَّاحَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مَنْقُولًا.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>