الْأَحْرَارِ أَوْ الْأَرِقَّاءِ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ (رُبْعَ دِينَارٍ ذَهَبًا) وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قِيمَتِهِ (أَوْ) سَرَقَ (مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ) لَا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ ارْتَفَعَ السِّعْرُ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ انْخَفَضَ (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ) سَرَقَ (وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً) خَالِصَةً وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَوْنِهَا تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ (قُطِعَ) وَالْأَصِيلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» .
وَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَلِلْقَطْعِ شُرُوطٌ فِي السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ فُهِمَ بَعْضُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ فَاَلَّتِي فِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، بَالِغًا، غَيْرَ مِلْكٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ، غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلسَّرِقَةِ، وَاَلَّتِي فِي الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّارِقَ مَنْ يَدْخُلُ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ كَذَلِكَ، وَالْمُخْتَلِسُ مَنْ يَدْخُلُ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ جَهْرَةً، وَالْخَائِنُ مَنْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ جَهْرَةً وَمَعَهُ إذْنٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قِيمَتِهِ] أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَوْنِهِ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ [قَوْلُهُ: أَوْ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا تَقْوِيمَ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ سَاوَتْ الثَّلَاثَةُ دَرَاهِمَ الرُّبْعَ دِينَارٍ أَوْ نَقَصَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَا لَوْ سَاوَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ تُسَاوِ الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا حَيْثُ وُجِدَتْ الدَّرَاهِمُ فِي بَلَدِ السَّرِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ السَّرِقَةِ إلَّا الذَّهَبُ فَالتَّقْوِيمُ بِالذَّهَبِ. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ السَّرِقَةِ أَيْ مَا يُسَاوِي الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ لَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ وَقْتَهُ كَذَبْحِ شَاةٍ بِحِرْزٍ أَوْ خَرْقِ ثَوْبٍ بِحِرْزِهِ فَنَقَصَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ لَمْ يُقْطَعْ كَأَنْ لَمْ يُسَاوِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ كَطُرُوِّ غُلُوٍّ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: يَوْمَ السَّرِقَةِ وَمُقَابِلُهُ يَعْتَبِرُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَذْهَبُ مَا قَالَ لِأَنَّهُ وَقْتَ تَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ] فِي التَّحْقِيقِ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ دِينَارَ السَّرِقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَدِينَارُ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.
[قَوْلُهُ: خَالِصَةً] احْتِرَازًا مِنْ الْمَغْشُوشِ بِالنُّحَاسِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُحَاسًا تَافِهًا لَا قَدْرَ لَهُ. تَحْقِيقٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْخُلُوصُ مِنْ الْغِشِّ وَلَوْ كَانَتْ رَدِيئَةَ الْمَعْدِنِ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدَ الْخُلُوصِ فِي الرُّبْعِ دِينَارٍ نَظَرًا لِلْغَالِبِ إذْ الْغَالِبُ خُلُوصُهُ مِنْ الْغِشِّ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُلُوصِ فِيهِ أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: فِي مِجَنٍّ] الْمِجَنُّ هُوَ التُّرْسُ لِأَنَّهُ يُوَارِي حَامِلَهُ أَيْ يَسْتُرُهُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى مَجَانَّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ زَائِدَةً لِأَنَّهُ مِنْ الْجُنَّةِ وَالسُّتْرَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا] فَلَا قَطْعَ عَلَى غَيْرِ بَالِغٍ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ مُطْبِقٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَسَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَإِلَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا أَفَاقَ كَمَا أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ يُقْطَعُ بَعْدَ صَحْوِهِ سَرَقَ حَالَ سُكْرِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ قُطِعَ قَبْلَ صَحْوِهِ اُكْتُفِيَ بِهِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرَامٍ فَكَالْمَجْنُونِ الَّذِي سَرَقَ حَالَ جُنُونِهِ، وَاسْتَظْهَرَ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ بِحَرَامٍ حَيْثُ شَكَّ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَالَتُهُ ظَاهِرَةً فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا شَكَّ فِي سَرِقَةِ الْمَجْنُونِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا هَلْ هِيَ فِي حَالِ جُنُونِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . وَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ مُخْتَارًا لِيَخْرُجَ الْمُكْرَهُ وَيَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ الْقَتْلِ، وَاسْتُظْهِرَ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ كَمَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ فَيَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ مِلْكٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ] أَيْ لَا يَكُونُ السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهُ فَلَا يُقْطَعُ ذَلِكَ الْعَبْدُ.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ] احْتِرَازًا مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا سَرَقَا أَيْ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا، وَمِثْلُهُمَا الْجَدُّ وَلَوْ لِأُمٍّ وَلَوْ كَانَ فَرْعُهُ عَبْدًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . أَمَّا الِابْنُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلسَّرِقَةِ] احْتِرَازًا عَمَّنْ سَرَقَ لِجُوعٍ أَصَابَهُ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَرَقَ حِمَارًا مَثَلًا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَيْ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ إجَابَتِهِ مِثْلُ الْبَلَابِلِ وَالْعَصَافِيرِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَحْمُهُ يُسَاوِي بَعْدَ ذَبْحِهِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْحَمَامُ