للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نِصَابًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ مِلْكًا تَامًّا مُحْتَرَمًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ) وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا عُرْفًا احْتِرَازًا مِنْ السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ فِي الْحِرْزِ، وَنَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان اسْتِسْرَارًا احْتِرَازًا عَمَّنْ أَخَذَ اخْتِلَاسًا أَوْ مُكَابَرَةً فَلَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمُحْتَرِزَاتِ كُلِّهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ مِنْهَا

ــ

[حاشية العدوي]

يَقْصِدُ لِيَأْتِيَ بِالْأَخْبَارِ لَا اللَّعِبِ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَيَقُومُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْلُغُهُ وَتَبْلُغُ الْمُكَاتَبَةُ إلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: نِصَابًا] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَ جَمِيعِ النِّصَابِ وَلَوْ عَلَى مَرَّاتٍ، فَمَنْ قَصَدَ ابْتِدَاءً أَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخْرَجَهُ عَلَى مَرَّاتٍ فَيُقْطَعُ، فَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا عَلَى مَرَّاتٍ فِي لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالٍ وَلَمْ يَقْصِدْ ابْتِدَاءً سَرِقَتَهُ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ قَصْدُهُ كُلُّهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ كَإِخْرَاجِهِ دُونَ نِصَابٍ مِمَّا وَجَدَهُ مُجْتَمَعًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ مَتَاعٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ فَيُخْرِجُ تَمَامَ النِّصَابِ فَيُحْمَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إخْرَاجَ مَا أَخْرَجَهُ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَصْدًا وَاحِدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حِينَ أَخْرَجَ مَا أَخْرَجَهُ أَوَّلًا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى إخْرَاجِ مَا أَخْرَجَهُ فَقَطْ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ نِصَابٍ كَامِلٍ.

[قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ سَرَقَ مِلْكَهُ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَ فَلَا قَطْعَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ مَعَهُ بَيِّنَةٌ بِالرَّهِينَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَإِلَّا قُطِعَ كَمَا أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ وَإِذَا مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحِرْزِ بِأَنْ وَرِثَهُ مَثَلًا لَا إنْ مَلَكَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ. وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ السَّارِقَ مِنْ سَارِقٍ فَيَقْطَعَانِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ ثَالِثٌ وَهَكَذَا وَيَشْمَلُ السَّرِقَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ.

[قَوْلُهُ: مِلْكًا تَامًّا] وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ كَالشَّرِيكِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَا قَطْعَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا نُفَصِّلُهُ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ شَرِكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ يُقْطَعُ بِوُجُودِ شَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَحْجُبَ السَّارِقَ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ. الثَّانِي: أَنْ يَسْرِقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا مِنْ جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَةِ مَا سَرَقَ وَمَا لَمْ يَسْرِقْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَمَا إذَا كَانَ جُمْلَةُ الْمَالِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسَرَقَ مِنْهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَشَرِكَةٍ فِي عُرُوضٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ كَكُتُبٍ مُخْتَلِفَةٍ جُمْلَتُهَا تُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ فَسَرَقَ كِتَابًا مُعَيَّنًا يُسَاوِي سِتَّةً فَيُقْطَعُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ فَقَدْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ مِنْهُ نِصَابًا، فَإِنْ سَرَقَ دُونَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ أَنَّ الْمُقَوَّمَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ حَظِّهِ مِنْهُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي الْمُقَوَّمِ كَانَ مَا سَرَقَهُ بَعْضُهُ حَظُّهُ وَبَعْضُهُ حَظُّ صَاحِبِهِ، وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَخَذُ حَظِّهِ مِنْهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ فَقَدَّمَ اخْتِلَافَ الْأَغْرَاضِ فِيهِ، غَالِبًا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ قَدْرُ حَظِّهِ أَوْ أَكْثَرُ بِدُونِ نِصَابٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: مُحْتَرَمًا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ لَا إنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ طُنْبُورًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ سَرَقَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ إلَّا أَنَّ الْخَمْرَ يَقْضِي عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ لَا لِمُسْلِمٍ حَيْثُ أَتْلَفَهَا السَّارِقُ وَإِلَّا رُدَّتْ بِعَيْنِهَا لَهُ لَا إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ خَشَبُ الطُّنْبُورِ بَعْدَ كَسْرِهِ بِالْفِعْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِتَقْدِيرِ كَسْرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ثُمَّ إنَّ وِعَاءَ الْخَمْرِ إذَا كَانَتْ تُسَاوَيْ نِصَابًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ هَلْ يُقْطَعُ؟ قُلْت: هُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ كَلْبًا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ أَمْ لَا مُعَلَّمًا أَمْ لَا، وَلَوْ سَاوَى لِتَعْلِيمِهِ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ.

[قَوْلُهُ: إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ] أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ وَسَوَاءٌ بَقِيَ النِّصَابُ خَارِجَ الْحِرْزِ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا] أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ شَرْعِيٌّ، وَحِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَالْحِرْزُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَمْوَالِ، فَرُبَّ مَكَان يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ وَغَيْرَ حِرْزٍ بِالنِّسْبَةِ لِآخَرَ، أَوْ يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ لِمَتَاعٍ وَلَا يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَتَاعٍ آخَرَ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مُكَابَرَةً] الْمُكَابِرُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَهُوَ الْغَاصِبُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَابَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>