للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلَلًا سَلَكَ بِهِمْ مَسْلَكًا آخَرَ تَنْشِيطًا لَهُمْ وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ، وَابْتَدَأَ هَذَا الْبَابَ بِمَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ فَقَالَ: (الْوُضُوءُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الطَّهَارَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ (مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ) وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ.

وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مُشْتَمِلًا عَلَى فَرَائِضَ وَغَيْرِهَا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرِيضَةٌ فَرْضِيَّةُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إلَّا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ (فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ) وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ.

(وَالسِّوَاكُ) فِي الْوُضُوءِ (مُسْتَحَبٌّ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: (مُرَغَّبٌ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لَهُ إذْ كُلُّ مُسْتَحَبٍّ فِي الشَّرْعِ مُرَغَّبٌ فِيهِ.

(وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَثْلِيثِ الْخَاءِ وَهُوَ لُغَةً التَّخْفِيفُ وَشَرْعًا إبَاحَةُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ وَهُوَ رُخْصَةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَهُ شُرُوطٌ تَقَدَّمَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ بِالْمَثُوبَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِهَا.

وَقَوْلُهُ: فِيمَا خُوطِبَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَعْمَلُ بَقِيَ أَنَّ مَا خُوطِبَ بِهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ، وَبِالثَّانِي الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فَإِنْ قُلْتَ حَيْثُ أَجَبْتَ بِذَلِكَ هَلَّا قَالَ وَيَعْمَلُ مَا خُوطِبَ بِهِ بِدُونِ فِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ؟ قُلْتُ: الْإِتْيَانُ بِفِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكَ الْمُطْلَقُ مَحْصُورًا فِيمَا خُوطِبْت بِهِ، وَأَرَادَ خُوطِبَ بِهِ، وَلَوْ نَدْبًا فَإِنْ قُلْت: يُنْكِرُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إذْ الْوَاجِبُ إلَخْ قُلْتُ: لَا إذْ مَصَبُّ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ عَلَى الْجَزْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ وَعَدَ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ يَجِبُ الْجَزْمُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ] دَلِيلٌ ثَانٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: سَبِيلًا] أَيْ طَرِيقًا [قَوْلُهُ: مَلَلًا] أَيْ سَآمَةً [قَوْلُهُ: مَسْلَكًا آخَرَ] لَمْ يَقُلْ سَبِيلًا آخَرَ تَفَنُّنًا دَفْعًا لِلثِّقَلِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: تَنْشِيطًا لَهُمْ] أَيْ لِأَجْلِ جَعْلِهِمْ مُسْرِعِينَ لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ عَطْفٌ لَازِمٌ، وَالْكَسَلُ مَصْدَرُ كَسِلَ مِنْ بَابِ تَعِبَ. يُقَالُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ كَسِلَ كَسَلًا فَهُوَ كَسِلٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَكَسْلَانُ أَيْضًا وَامْرَأَةٌ كَسِلَةٌ وَكَسْلَى اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. أَيْ وَمَا كَانَ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالْفَرَائِضِ مَسْلَكٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ وَهَذَا الَّذِي كَرَّرَهُ مَسْلَكٌ آخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِإِذْهَابِ الْكَسَلِ فَتَكْرَارُهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بَلْ مُفِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِقْهِيَّةٍ] نَسَبَهُ لِلْفِقْهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ مِنْهُ الْعِلْمُ بِالْإِحْكَامِ أَيْ النِّسَبِ التَّامَّةِ، وَمِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ إنْ أُرِيدَ مِنْهُ النِّسَبُ التَّامَّةُ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ] مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوُضُوءَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: أَوْ نَفْلًا] بِمَعْنَى أَنَّهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ نَفْلًا بِدُونِ الْوُضُوءِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ صَلَاةً نَافِلَةً. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ [قَوْلُهُ: وَالنَّظَافَةُ] عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ مِنْ مَعْنَى الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ.

قَالَ زَرُّوقٌ: وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ، وَفِي الْبَاطِنِ بِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ، قَالُوا: وَذَلِكَ فِي الصَّغَائِرِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعًا: فَمَنْ تَابَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَبَائِرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[قَوْلُهُ: وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ] فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَتْ أَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا فَرَائِضَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ إلَخْ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي السُّنَنِ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى خِلَافِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ كُلٍّ مِنْهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَضَائِلَ.

[قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ] بِمَعْنَى الِاسْتِيَاكِ [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُرَغَّبِ فِيهِ الْمُؤَكَّدَ فِي طَلَبِهِ، فَبِالنَّظَرِ لِمَا قُلْنَا لَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ إذْ كُلٌّ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] أَيْ ذُو رُخْصَةٍ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرُّخْصَةَ إبَاحَةُ الْمَمْنُوعِ إلَخْ.

وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْحَ جَائِزٌ جَوَازًا مَرْجُوحًا. [قَوْلُهُ: التَّخْفِيفُ] أَيْ التَّسْهِيلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِصْبَاحِ إبَاحَةُ الشَّيْءِ أَيْ الْإِذْنُ فِيهِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْمَمْنُوعِ] أَيْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ فِيهِ الْحَذْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>