للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إذَا جَمَعَ كَانَ لَهُ قِيَامٌ وَاحِدٌ وَوُضُوءٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ كَانَ لَهُ قِيَامَانِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

(وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ (رُخْصَةٌ) إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا (وَالْإِقْصَارُ) أَيْ قَصْرُ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ.

(وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ) لَهُمَا نِيَّةٌ تَخُصُّهُمَا (وَقِيلَ) هُمَا (مِنْ السُّنَنِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.

(وَصَلَاةُ الضُّحَى) بِالْقَصْرِ (نَافِلَةٌ) وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ وَوَقْتُهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ.

(وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ نَافِلَةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً (غُفِرَ لَهُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَجَمْعُهُ كَذَلِكَ أَيْ تَخْفِيفٌ. وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابَ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَيَكُونُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهِ إذَا رَفَقَ بِهِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ قِيَامَانِ] أَيْ وَوُضُوءَانِ.

[قَوْلُهُ: وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمَسَافَةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْسَنَ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ حَذَفَهَا [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ فَيَكُونُ ظَاهِرُهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ضَعِيفًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الرُّخْصَةَ تَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْرُ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِي الْمُقَامِ أَنَّ اللُّغَةَ الْفُصْحَى قَصَرْت الصَّلَاةَ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ قَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهِيَ اللُّغَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] وَفِي لُغَةٍ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَالُ: أَقْصَرْتهَا وَقَصَّرْتهَا أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِغَيْرِ الْفُصْحَى، وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ قَصْرُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ] أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْمَسَافَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَغَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ] أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ وَإِنَّمَا كَانَ الْفِطْرُ مَكْرُوهًا وَالْقَصْرُ سُنَّةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْقَصْرِ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ تَشْتَغِلُ مَعَهُ الذِّمَّةُ.

قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[قَوْلُهُ: بِالْقَصْرِ] فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، أَمَّا الضُّحَى بِالْقَصْرِ فَاسْمٌ لِأَوَّلِ حِلِّ النَّافِلَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لِلزَّوَالِ ضَحَاءٌ بِالْمَدِّ وَقَبْلَ حِلِّ النَّافِلَةِ ضَحْوَةٌ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بِالْقَصْرِ بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ وَالنَّافِلَةُ مَا دُونَ السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ] وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ. لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَقَالَ عج: يُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ بِنِيَّةِ الضُّحَى.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ] أَيْ الْمُسَمَّى بِالتَّرَاوِيحِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فِي فِعْلِهَا وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْلِ جَمَاعَةً كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ] صَادِقٌ بِالْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْكَمِّيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ نَافِلَةً وَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ. [قَوْلُهُ: إيمَانًا] أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا وَعَدَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ مِنْ الْأَجْرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ إلَخْ] أَيْ عَادَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً] أَيْ لَا يَقُومُهُ قِيَامَ رِيَاءٍ وَلَا قِيَامَ سُمْعَةٍ، أَوْ لَا يَقُومُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُرَائِيًا وَلَا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُسْمِعًا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ الشَّامِلُ لِلْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَالطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ فَيُفَسِّرُونَ الِاحْتِسَابَ بِأَنْ يَعْمَلَ الْأَعْمَالَ مَحَبَّةً فِي الْمَعْبُودِ لَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ وَلَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ.

قَالَ اللَّقَانِيُّ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>