للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأصحابه لا يريدون به بدلا ولا يبغون عنه حولا، لا يزيدهم طول الصحبة إلّا تأكيد المحبة وذلك لحسن عشرته لهم، فضلا عليهم بالمال والجاه وإفادة بالعلم والآداب، وصبرا على هناتهم، وتغافلا عن فلتاتهم وهفواتهم، مستنا بما أشار الله سبحانه لنبيه من قوله تعالى (٣٤٥) ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.

يخالق الناس بخلق حسن ويستجلب قلوبهم وموداتهم بلين الكلام، ويستعبد رقاب أحرارهم بالإحسان والصبر على الأذى لا سيما الغرباء، فعلا لذلك شأنه، واتضح برهانه، وطار ذكره في سائر الأقطار، وبعد صيته فأنجد في كل أرض وأغار، وسافرت بمصنفاته الركبان، وتهاداها الملوك والأعيان، ويطلبها أوفاد البلاد، ويسوق إلى تحصيلها طلبة العباد كما قلت ذلك في قصيدتي العينية التي مدحته بها، وأولها:

خذوا من سلامي في الصبابة أو دعوا … فقلبي مشغوف فيه أو دعوا

فقد أرسل المنصور صاحب تونس … لشرح البخاري طالبا يتضرع

وشاروخ أيضا نجل تيمر لنك قد … أراد به يحظى فيشفى وينفع

وللناصر بن الأشرف الملك الذي … زبيد به أضحت تعزّ وترفع

بتذكرة قد زانها حسن جمعه … جمالا، كمالا، نشره يتضوع

وافتخر بلقائه الأكابر من سائر الأمصار، وتمنّى أهل البلاد النائية لو رأوه ولو في الطيف الساري.

ومصنّفاته تناهز مائة وخمسين مصنفا، ولنذكرها لتطلب وتقرأ وتكتب إن شاء الله. فأولها في التقديم (٣٤٦) وأولاها بالتعظيم: شرح صحيح البخاري المسمى «فتح الباري» في اثنى عشر مجلدا كبارا، «ومقدمته» في مجلد ضخم يشتمل على جميع مقاصد الشرح. سوى الاستنباط.


(٣٤٥) سورة آل عمران آية ١٥٩.
(٣٤٦) في السليمانية وتونس «في القديم».

<<  <  ج: ص:  >  >>