للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قليلا كتب هذه الأدبيات عجلا، وأنشأها مرتجلا وبعثها إلى خدمته خجلا، سائلا إصلاح خللها والإغضاء عن زللها، على المعهود من كرم سجاياه وشرف مزاياه، والله يمتع بفوائده، ويجزيه من الألطاف على أجمل عوائده، ويديم عليه سوابغ نعمه، ويحرسه بمنّه وكرمه.

وممّا عددته من كرامات الشيخ برهان الدين أنه كان لهم قريب يقال له جلال الدين وكان جريئا على حداثة (٣٩) سنّه على الأمور الكبار فبغى في قضاء الشافعية بدمشق على الجمال يوسف أخي الشيخ، فكتب الشيخ إلىّ كتابا عرّفنى فيه بموت البلاطنسى وذكر ما حصل من الضرر بسعى قريبهم هذا على أخيه، وقال من جملة الكتاب: ولهذا الصبىّ الغبىّ، النازل من الخذلان في المنزل الدنىّ (٤٠) أب جاهل، عن الآخرة ذاهل، ألأم من مادر، يسمى عبد القادر، باشر تقدمة بأخيه من نواحي البلاد الصفدية فأقصى وأبعد بسيرته الزرية معروف بسوء الطريقة في زمن الصبا، وهو الآن بالشام يتعاطى الرّبا، أشاع أن ابنه ولى القضا فضاق على المسلمين بذلك الفضا، وارتمضوا من سماع هذا الكلام وقالوا: يا لله للإسلام [من] صبي ذي فرية، لا يصلح لقضاء قرية، يلي منصبا وليه السبكي! إن هذا مما يؤلم ويبكى، فقال شخص من الفضلاء الأذكياء النبلاء:

تولى شييخ قضا جلق … فيا لك من حادث ممرض

وهول يشيب رأس الرضيع … فيصبح كالكرسف الأبيض (٤١)

ويا لك من كارث مؤلم … لكل امرئ مسلم مرمض (٤٢)

فنوحوا على الدين وابكوا وما … وفرّوا إلى الله مما قضى

وتوبوا إلى ربكم توبة … نصوحا بصدق له يرتضى

عساه يهيى له قاتلا … بسيف صقيل له ينتضى

يريح البريّة من وجهه … فما وجهه بمنبر مضىّ (٤٣)

ولو قيل للكلب من بعده … تعال تولّى القضا، ما رضى


(٣٩) تونس والسليمانية: حلاله.
(٤٠) في السليمانية وتونس الوبى.
(٤١) الكرسف: هو القطن (قاموس المحيط مادة الكرسف).
(٤٢) المرمض: الداء.
(٤٣) أي مضيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>