للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحافظ زين الدين العراقي، ثم أقبل على التفهّم ولازم العلماء والطلاب حتى برع في النحو، وفاق في الفقه، وتقدّم في الفرائض والحساب، وضرب في غالب الفنون بأوفر سهم ولازم العلماء ولازم الطلاب، وفاز بأجلّ نصيب حتى صار من أعيان فضلاء القاهرة وأجلّ أصحاب مولانا شيخ الإسلام ابن حجر. صحبته مدة طويلة فرأيته ينطوى على خير كثير ودين متين وعلم غزير راسخ في الفقه. وهو إمام في الفرائض، علامة في العربية، أخبرني الإمام القاضي زين الدين قاسم بن الزفتاوى أنه (٨٢) كان في حال شبوبيته (٨٣) يخرج على قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام السراج البلقيني في الفقه فيرجع إلى قوله ويضرب على ما كان كتبه، وأنه لم يكن عند البرهان البيجورى والشمس البرماوى أحد يعدله؛ وكان كثير التواضع مع شهامة النفس وعدم التردّد لأبناء الدنيا، وذهنه في غاية الاستقامة، وكرمه [بلا] نهاية، وهو عظيم الوفاء لأصحابه، سريع الحركة في تفقّدهم مع ثقل جثته وكان في غاية السمن وإذا لقى أحدا من أصحابه نزل في الطريق للسّلام عليه؛ سهل محبب إلى الناس، كثير الأدب طلق الوجه يخجل من يسلّم عليه بما يلقاه من البشاشة والأدب والتواضع وتلك أخلاق لا يتكلفها، وكان كثير المصائب في بدنه بالأمراض، قلّ أن يفارقه وجع الرأس الذي يسمى النزلة.

[وكان] مقترا عليه في دنياه، غير منصف من رؤساء الزمان مع أنه غير مبال بذلك ولا يلتفت إلى دنيا، غير أنه حصل له مع القاضي علم الدين صالح بن السراج البلقيني في ولايته سنة إحدى وخمسين كائنة أحرقت فؤاده ونفت رقاده ولم يجد له ظهيرا ولا وليا ولا نصيرا؛ ولم أزل معه على ما يرضاه بشرع المودّة والإخاء إلى أن رماه حادث الأيام وريب الدهر بمرض في باطنه عظم منه بوجهه، ثم ظهر له خرّاج في مقعدته، نقل لي عن الجرائحى الذي كان يعالجه أنه طاعون فزاد به الأمر وشبّ في أحشائه اللهيب إلى أن اخترمته المنية-وهو يستغفر الله في ليلة (٨٤) الخميس خامس عشر محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بالقاهرة-وصلّى عليه من الغد على باب المصلّى من باب المصلىّ


(٨٢) العبارة من هنا حتى «أحد يعد له» س ٩ واردة بنصها في الضوء ١/ ٤٤ س ٢٥ - ٢٧ دون الإشارة إلى مصدرها وهو قاموس البقاعى هذا.
(٨٣) في تونس والسليمانية. «شيبوبته».
(٨٤) ليلة الخميس هي خامس عشر محرم سنة ٨٥٢ راجع التوفيقات الإلهامية المجلد الثاني، ص ٨٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>