للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من باب النصر، وعظم تأسف الناس عليه وزاد بكاؤهم وشيّعه (٨٥) من الأكابر وفضلاء الطلبة وأعيان الناس وصلحاء العالم من لم يسعهم المصلىّ، وكان على جنازته من الأنس والخفر والسكون والوقار ما يفوق الوصف، وحصل عليه لكلّ من سمع به ما يكاد يشقّق الأكباد حتى بكى بحرقة من لم يكن يطمع في بكائه، وأطبق الناس على حسن الثناء عليه والشهادة له بجميع خصال الخير كأن الناس لم تصيبهم قبله مصيبة.

ودفن في تربة جوشن، ورجع الناس من جنازته وكلّ كأنه فارق ابنه أو أباه أو أخاه، ولعمري لقد كان جديرا بذلك، فاللّه المسؤول أن يتلقاه (٨٦) وأن يجعله مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك (٨٧) رفيقا وأن لا يحرمنا أجره ولا يفتننا بعده.

وكنت رأيت له في أيام مرضه أنه صحيح على عادته، ولحيته أكبر ممّا كانت فيه في اليقظة كبرا لم يخرج بها عن القدر المعتاد وفيها السواد أكثر مما كان، ووجهه في غاية الإشراق والبهاء والجلالة والحلاوة وقد قال المعبرون (٨٨) إن المريض إذا رؤى صحيحا، وأن كبر اللحية على هذا الوصف دالّ على العزّ والجاه والمال وحسن الخلق، والوجه على نحو ذلك فإنه من الجاه، فلم أشك أنه يتعافى وتحصل له ثروة مع عز وجاه وكان ذلك عند الله وهو غريب ما سمعنا بمثله أن ما يدل على أشياء تتعلق بالدنيا فيكون تأويله ما بعد الموت.

وأخبرت عن تلميذه الفاضل علم الدين سليمان الحوفى (٨٩) أنه قال: «رأيته في النوم في أوائل مرضه وهو يقول: «دعنا نروح إلى الله ونستريح ممّا نحن فيه من الكدورات والأذى والأقذار».

وأخبرت عن القاضي جلال الدين عبد الرحمن بن الإمامة أنه رآه في الليلة التي توفى فيها بعد وفاته قبيل ما يعلم ذلك، فقال له: «ما حالك يا سيدي؟ فقال: أنا أطيب مما كنت وهو الذي نرجوه أو نتحققه من كرم اللّه بشهادة نبيّه الصادق أنتم شهداء الله في الأرض».


(٨٥) في تونس والسليمانية: «وشيعهم» والصواب ما أثبتناه بالمتن.
(٨٦) وردت بعدها في تونس والسليمانية عبارة «وهو إليه مضحك» ولم نعرف المقصود منها، فحذفناها.
(٨٧) في تونس: «إليك».
(٨٨) في تونس والسليمانية: «المعتبرون».
(٨٩) هو سليمان بن عمر بن محمد الحوفى الشافعي نزيل خانقاه سعيد السعداء وكانت وفاته سنة ٨٥٥، انظر أيضا الضوء ٣/ ٢٦٧، ترجمة رقم ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>