للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك جدا ولم يتدنّس بدرهم فما فوقه، وأثنى عليه بالعفة (١٦٦) المخالف والموافق، وانقاد له الضعفاء وعكفوا عليه، وأما غيرهم فإنّهم لم يلبثوا إلّا ريثما حين عرفوا جنّته وسوء تصرّفه فغضب (١٦٧) عليه جماعة ونفروا عنه، وعدّ هباء منثورا؛ سأله الشريف أبو القاسم واجتهد السوبينى في عزله أو إحضاره إليه فلم يصل إلى شئ وندب الركن الذي أقامه الظاهر في مكة من جهته فلم يساعده، وكتب أبو القاسم كتابا يتهدده فيه بالمنع من الحكم وغير ذلك فخارت قواه، وخاف أن يتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق (١٦٨) ومنعه الخوف من قبول ما يشار عليه به مما يرجى له فيه الفرج (١٦٩) وهو مقيم على غير طائل في ذل لا يرضى بحمله عاقل، ولم يزل يسبق به جوار العفاف ويقصر بمعاليه كاذب الحين حال الإرجاف وينفر عنه الأشراف عدم الإنصاف إلى أن أبلغ السلطان كلّ من قدم عليه بما يحصله أنه لا يصلح للقضاء بسبب كونه لا يعرف خداع الناس ولا تلبيساتهم ولا مداراة من تجب مداراته في هذا الباب فلا يبلغ بسبب ذلك من الأحكام قصده، مع ثناء الناس عليه بالعفة والدّيانة، فعزله بأبى السعادات ابن ظهيرة، وتوجّه الأمر بذلك مع الحاج سنة تسع وأربعين وثمانمائة فقدم في أول سنة خمسين (١٧٠) مع الحاج فأقبل عليه السلطان وشكا إليه أبا القاسم ابن عجلان أمير مكة وأعمالها وأبا اليمن ناظر الحرم وخطيب المسجد الحرام فعزلهما، ثم ولّاه قضاء الشافعية بحلب، فلما ظهرت لابن الشحنة جودته وعدم موافقته له في شئ من أغراضه الفاسدة دفعه في أمور أوجبت غضب السلطان عليه وشهادته بأنّه مجنون، فعزله في شوال من السنة.

منها (١٧١) أنه أرسل إليه شخصا ليحكم بمرسوم سلطاني معه فقال: «لا نحكم بمجرّد المرسوم، بل لا بدّ من استيفاء شروط الحكم» فشنع عليه بأنه ردّ مراسيم السلطان وقال لا يجوز تنفيذها.


(١٦٦) في تونس والسليمانية: «بالفقه»، ولعل الأصح أن يقال «العفة» ليتفق وسياق الكلام.
(١٦٧) العبارة من «فغضب عليه جماعة ونفروا» واردة في تونس والسليمانية بالصورة التالية «فعقوا عليه جماعة ونفورا» وقد بدلنا إلى ما بالمتن ليستقيم المعنى.
(١٦٨) قرآن كريم: سورة الحج آية ٣١.
(١٦٩) في تونس: «القرح»، وفي السليمانية: «الفرح».
(١٧٠) في تونس والسليمانية: خمس، وهو خطأ يصححه ما جاء في نفس السطر من أن حج السلطان كان سنة ٨٤٩.
(١٧١) أي من هذه الأمور التي أوجبت غضب السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>