للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن فيها شبهة. قال: ثم استمر يعجب من ذلك إلى أن لقيت بأرض غزة جمّالا شيخا، فكلمني كلاما جيدا في علم التصوف. قال: فتعجبت من ذلك، فقال: إني أدركت فلانا وفلانا، وعدّد جماعة من جملتهم الشيخ أبو بكر الموصلي حججت به، وكان يوصيني أني لا أنزل إلا في طرف الناس، فإنه أطيب رائحة وأقرب إلى صاحب الحاجة، والمحفوظ من حفظه الله. قال: فعلمت أن ذلك الذي اتفق لنا في الحج من مدد الشيخ أبي بكر.

وتردد إلى القاهرة مرارا منها سنة إحدى وعشرين، وأبوه قاضيها. ثم جاء بعد وفاة والده فدخل القاهرة ثاني عيد الأضحى سنة سبع وعشرين؛ فأخذ مشيخة المؤيدية (١) عن أبيه، واستمر يدرس بها ويفتي، ويعمل الميعاد الذي يستحق أن تشد الرحال إليه، إلى آخر وقت. وليس بالدنيا الآن أعلم بمذهب أبي حنيفة منه، والعمدة الآن في الفتوى عليه.

وهو حافظ لعلومه شديد الذكر لها، بحر زخّار لا تكدره الدلاء، وهو فكه المحاضرة، لين الجانب، آية في القوة والنشاط، حسن الشكل، بهيّ المنظر منور جدّا قليل التردد إلى أهل الدنيا. وله الشعر الحسن الكثير، أنشدني منه يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة: [الكامل]

ذهب الألى كان التفاضل بينهم … بالحلم والأفضال والمعروف

يتجشمون متاعبا لإعانة ال … مظلوم أو لإغاثة الملهوف

وأتى الذين الفخر فيهم منعهم … للسائلين وظلم كل ضعيف

فتراهم يترددون مع الهوى … قد أعرضوا عن أكثر التكليف

ما بين جبار وباعث فتنة … ومخاتل بخداعه مشغوف

والمستقيم على الطريقة نادر … ما إن تراه بين جمع ألوف

فاسلم بدينك لا تقل لا بد لي … منهم لدفع كريهة ومخوف

وافزع لربك لا تكن مستبدلا … ذا ضنة وفظاظة برءوف


(١) المدرسة المؤيدية: هي بالجامع المؤيدي الذي أنشأه السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي الظاهري في سنة ٨١٨ هـ، وهو بجوار باب زويلة. انظر: الخطط المقريزية ٤/ ٣٣٤ - ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>