للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فما فرغ من بحثها إلا وهي من كثرة التنقيب قد رسخت، وما نزع من حلها إلا وعقود جمانها كالبحار كلما أراد سخت، ثم ركب مطايا الهمم في العبادة والاشتغال، فما وضع رحله ولا أراح رجله حتى فاز من كعبة الأماني بالوصال، طالما طوى في بيداء الأفكار الأيام والليالي، وكنش (١٣٨) قفار التأميل بمياه بحر الدليل والتعليل السلسال، ونثر في طلب الكمال، إذ حاد عن طرق أهل الزيغ والضّلال [وبذل] كل جمان ومال، وخاض شدائد الطلب حتى هال أصحابها إذ هال كل نفيس (١٣٩) وغال، وكان بعد ذلك يجيد حلها للناس حتى اشتهر بحسن إقرائها.

وتفقه على القرقشندى، وشارك في جميع الفنون إلى أن صار إماما عالما في كل منها لكثرة مذاكرته بما يعرفه، وقصده الخير، وهو مع ذلك شديد الملازمة للخيرات والعبادة، لا تعرف له صبوة.

ثم انقطع وهو مقيم تارة في القدس وتارة في الرملة، لا يخلّى سنة من السنين عن المرابطة على جانب البحر بالأسلحة الجيّدة، ويحثّ أصحابه على الشجاعة ومعالى الأخلاق، ويدعو إلى اللّه سرا وجهرا، ويأخذ على أيدي الظّلمة، مع محبة الخمول، والشغف بعدم الظهور، لا يقبل لأحد شيئا.

عرضت عليه أشياء من زينة الدنيا فلم يقبل شيئا منها، من جملتها أن الأمير حسام الدين حسن ناظر القدس والخليل ونائبهما كان بنى في القدس مدرسة وقرره شيخا بها وجعل له عشر دراهم فضة كل يوم فأبى، ولم يصل إليه شيء من المال ممّا يقصد (١٤٠) به ليفرّقه على الفقراء بل يأمر صاحبه أن يتعاطى تفرقته إن شاء.


(١٣٨) في نسخة السليمانية «وكنش»، وكنش بمعنى جاب الصحراء طولا وعرضا، وكنش في اللغة. هي: أن يأخذ الرجل المسواك فيلين رأسه بعد خشونته، يقال قد كنشه بعد خشونة، والكنش فتل الأكسية، راجع لسان العرب مادة «كنش».
(١٣٩) في تونس والسليمانية «نفس».
(١٤٠) أمامها في هامش السليمانية «شيء مما يتصف به» وفي هامش تونس «مما يقصد به».

<<  <  ج: ص:  >  >>