وقد كان عندنا في بلاد القدس في قرية تبير صخرة وقعت من جبل فانكسرت، وصارت على هيئة الأهرام في تضلعها، فزين لهم إبليس التبرك بها والنذر لها، فمررت ليلة من عندها فإذا تحتها سراج موقد، فقلت: ما هذا؟، فقالوا: هذه صخرة مباركة، وإذا كان لأحد مريض فنذر لها شفي، وكذا غير ذلك من الحوائج، ويرى تحتها في بعض الأوقات شيخا. فقلت: أرضيتم إشراك الحجارة مع الله الذي خلقكم، والله لا يوقد أحد عندها سراجا أو ينذر لها نذرا أو يعظمها إلا ضربت عنقه، فتركوا ذلك ولم ير ذلك الشيخ النجس، فقلت له: هرب والله من علمك أيد الله بك الإسلام.
حدثني قاضي القضاة سعد الدين بن الديري في سنة ثلاث وستين وثمانمائة، لما تفاقم أمر المماليك من الجند في ضرب الناس ونهب أموالهم وانتهاك حرماتهم، أنه كان نائما في قاعته بالمدرسة المؤيدية في آخر أيام الأشرف برسباي؛ لعله في آخر سنة إحدى وأربعين، فاستيقظ فسمع قبل أن يفتح عينيه هاتفا يقول: الناس في ستر رفيع يوشك أن ينكشف. قال: ففتحت عيني فلم أر أحدا، فأشفقت من ذلك. فلم يمض إلا نحو سنة حتى قبض الظاهر جقمق على القاضي تاج الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن السراج عمر البلقيني، ونسبه إلى الخيانة فيما تحت يده من الأوقاف، ورسم عليه في المدرسة الحجازية من عند نقيب الجيش العلاء بن الطبلاوي؛ فشفع فيه القضاة الأربع حتى أطلقه. ورسم على القاضي بهاء الدين بن عزّ الدين البلقيني من عند أركماس الدويدار، ورماه بالتهاون بالدّين، وأغرمه ألف دينار.
وشرع يتتبع آثار الفقهاء، ويبدي فضائحهم، إلى أن صرنا إلى ما ترون من انكشاف الستر، وانخراق السياج، وهتك الحرمة، وعدم الهيبة لأحد من أهل الدين أو الحياء من كبير أو صغير. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
[وكان موته في مصر القديمة، ونقل في أول الليل إلى منزله بالمدرسة المؤيدية بباب زويلة فوصلوا به أول التسبيح، وجهّز بكرة يوم الجمعة المذكور، وصلّى عليه في سبيل المؤمني بحضرة السلطان](١)
(١) ما بين الحاصرتين إضافة من المعجم الصغير، ص ١٢٣. وانظر أيضا: الضوء اللامع ٣/ ٢٥٣؛ الذيل على رفع الإصر ص ١٢٧ - ١٤٠.