للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سمعت ذكره وما كان فيه من الأحوال من غير واحد، وأعظم ذلك أنى سمعت العلامة عزّ الدين المقدسي-وكان دأبه انتقاص الناس غالبا-يصفه بأنه على طريق السلف علما وعملا وبيانا، وبأنه ما رأى مثله وربما قال: إنّ وصفه يقصّر عن رتبته جمعا. وله كراسة في ترجمته منها، أنه قال: أرجو أني إذا وقفت بين يدي الله الحق- -لم يقدر أحد يطلبنى بأني أكلت مالا أو تلوثت له بعرض. وقال: صحبت العلماء سنين منها ستة أعوام ما طفئ مصباحى فيها قبل السحر، في درس مختصرات العلم (١)، وكان سيرى فيها السير المبارك، كل يوم من أيامي بسنة من سنى الغير، فما استفدت من مجموع ذلك سوى أني أحطت علما بجهلي. وصحبت الصوفية مدة سنين، فما ارتسمت فيها بشيء من العرفان غير أني حرامي وعملتى ظاهرة، فما رفعت لي رأسا بعدها؛ وكيف يرفع رأسه جاهل حرامى. وكان ورده في بداءة أمره كل يوم ختمة وثلثا ختمة مع طلب العلم.

قال (٢): وقال (٣) : وددت أنه لا يزال في صحبتي فقيه، كلما تحركت بحركة أو تنفست بنفس يقول لي يحل، لا يحل؛ حتى لا أخرج عن الوضع الشرعي، وأقسم بالله أن لفظة شيخ ما أدخلتها أذني، لأنى رأيت الجوهر فما رضيت بعده بالصدف.

قال (٤): وكان جل عمله المراقبة بالقلب السليم. وكان من الرحمة والتواضع كالتراب والغيث. وكان قواما في الحق فإذا زجر الظلمة عن مرامهم جاءوا إليه بتنمر وقد ثارت نفوسهم، فليس بينه وبين أن يعدم نفسه وتصرفه أن يجلس بين يديه، فيقول الشيخ: أين هو اطلبوه؛ أي أصحاب النفوس الثائرة والرؤوس الشامخة. فلا يسع ذلك الظالم إلا الخضوع. وهكذا حال من بحثه ممتحنا، وكان إذا صار أحدهم بين يديه أمسك لحيته؛ وتحرك الظالم بعنف والعالم والصالح برفق، فيستلذ أحدهم تلك الحالة.

وعوتب يوما على ذلك فقال: والله لو خطر في القلب لعجزت عن فعله. يعنى؛ أنه لا


(١) في الأصل، والسليمانية: العالم. ولعل المثبت هو الصحيح.
(٢) القول لعز الدين المقدسي.
(٣) يعنى: عبد الله المخزومي.
(٤) القول ما زال للمقدسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>