للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يفعله إلا كالمضطر. وكان يجتمع به بعض من حصل له كشف، فإذا صار بين يديه عجز عن الأخذ عنه فيفكر في نفسه ذلك الرجل، فيقول له: مثلك مثل الضعيف البصر في الشمس القوية لا يرى شيئا لما يقوى به من الحال.

قال: وكان من أكرم الناس وأقواهم جأشا وأزهدهم في المباح، وكان مغناطيس القلوب، بحيث أن من رآه أتبعه بصره غالبا ومن جالسه تعلق به. وأسلم على يده سبعة عشر نصرانيا ويهودي واحد.

وقال: ما ولد لي ولد إلا صليت عليه صلاة الموت. وطلب منه أولاده في عيد أن يهبهم ثلاثة دراهم، فقال: بل درهما ونصف، وبكى وقال: من أين لأبيكم ثلاثة حلال، فبكوا. فقال: تدلون على يا أولادي، وعزة رب العزة ما أرجحكم في قلبي عن أولاد المسلمين مقدار ياسمينة.

واتفق له أنه عزم على الحج مرة فتكلف جمع ألف درهم فضة، ثم كارى الجمّال ودفعها إليه فحمله نصف بريد (١)، ثم أخذ جماله وذهب إلى بعض شأنه فهرب، فلم يقدر عليه فرجع، ولم يتم له حج في ذلك العام. وأقسم بالله أنه ما تأثر لذلك ولا اختلجت فيه له شعرة.

وكان لا يرى بالتأليف، ويقول: يا ما قال الناس. ولكنه في بعض الأوقات إذا تكلم يقول: هذا يكتب بماء الذهب. وكتب الشيخ خليل (٢) القابوني من كلامه نحو مائتي كراس، وكان إذا تكلم في مقام أشهد الحاضرين ذلك المقام وأوقف نفوسهم عليه.

قال (٣): وقال (٤): شبهت قلبي مع لساني مثل قدمي مع طرفي، ترى العين بريدا فتنقل الرجل خطوة، والقلب ما يرى من المعاني ما يجل عن الوصف فيتكلم اللسان بكلمة، وإنه لتتوارد عليّ الأجوبة فأريد الكلام بمعنى فيسبقني غيره.


(١) قيل هو: فرسخان أو أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: أربعة ألاف ذراع. انظر: تاج العروس (برد).
(٢) هو: خليل بن عبد الله الأذرعي، ويعرف بالقابوني. كان صالحا مباركا منقطعا عن الناس مثابرا على العبادة كتب الكثير للناس بخطه الحسن. مات بالطاعون في صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة. انظر: إنباء الغمر ٢/ ٤٩٨؛ الضوء اللامع ٣/ ١٩٩.
(٣) القول هنا للمقدسي.
(٤) القول لعبد الله المخزومي صاحب الترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>