للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: وسئل عن ابن الفارض (١)، فقال: في الصحيح ما يغني عن الجريح، وفي المتفق عليه ما يغني عن المختلف فيه، وفي هذه البيضاء مقنع. على أنه لم يستفتح بذكر أحد من هؤلاء ولا مرة في عمره، لكنه لما سئل عنهم في المشهد العام راعى صيانة ظاهر الشريعة.

وكان من أصحابه رجل قد ابتلي بالمراء والجدال بالهوى بحيث لا يطول لأحد بعده صحبة؛ حتى ولا جلسة إلا وقع بينهم شر. فقال له: يا سيدي رأيت منك عجبا في طول هذه المدة لم أختلف أنا وأنت في شيء. فقال له: وما موجب الاختلاف. أإذا قلت لك:

هذه الشمس طالعة فتقول: لا. قلت: من الجائز أن الله تعالى قد أعمى البعيد، ومن أعماه الله فأنا عاجز عن تبصرته. فكشف عما كان فيه من المراء وتأدب.

وكان صاحب كشف يتكلم غالبا مع أصحابه بحسب خواطرهم، فيقول لمن قاول (٢) زوجته: إن الشريك إذا كان أمينا ينبغي أن يغتفر له ما يقع من سوء الأخلاق، ونحو ذلك.

وتكلم على النازلة العظمى-فتنة تمرلنك قبل وصوله-بما لو حفظ لبلغ مجلدة، مع كل صاحبة بما سيقع له. فأول ما وقع له في ذلك: أنه رجع من الحج في أول سنة ثلاث (٣) قبل وصول تمر بأشهر-وهو في الشرق إلى الآن-أن ظهر عليه من آثار الكمد شيء عظيم، فسئل عن ذلك فقال: شاهدت البيت في هذه السنة مشاهدة ما وقعت لي فيما مضى من حجاتي، وظهرت لي هذه الكائنة في تلك المشاهدة، فمن أمكنه السفر فليسافر. ثم أخذ أسباب السفر فاكترى، وشرع في التحميل فأتى إليه الشيخ برهان الدين (٤) ابن مفلح فقال له: ما حملك يا سيدي على هذا؟ فقال: الظلم العام وضعف


(١) هو: عمر بن علي بن علي، شرف الدين أبو حفص-وأبو القاسم-ابن أبو الحسن بن المرشد. ولد سنة في ذي القعدة سنة ٥٧٦ هـ، وتوفي في جمادى الأولى سنة ٦٣٢ هـ. انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٤٥٤ - ٤٥٦.
(٢) المقصود بذلك من تشاجر أو اختلف مع زوجته فقالت له وقال لها.
(٣) أي سنة ثلاث وثمانمائة.
(٤) هو: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، برهان الدين بن الشيخ أكمل الدين بن الشرف، ويعرف بابن مفلح. ولد سنة خمسة عشرة وثمانمائة بدمشق. مات ليلة الرابع من شعبان سنة أربع وثمانين بالصالحية. انظر: الضوء اللامع ١/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>