للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حدثني ابن أيوب: أن أباه لما مرض مرض موته سألهم يوما، ما هذا اليوم؟ فقيل:

عاشر ربيع الآخرة كما تقوله العامة-بزيادة تاء التأنيث-فقال: عاشر ربيع الآخرة-يعني بفتح الشين والراء على أنه فعل ماض-يشير بذلك إلى موته في ذلك اليوم متفائلا بأنه يصير إلى نعيم الآخرة فكان كذلك.

والشيخ جمال الدين فكه المحاضرة، مليح الهادرة، بليغ العبارة، دقيق الإشارة، قل أن جلست إليه إلا ملأ أذني دررا تستحق الكتابة، من ذلك: أنه قال لي إنه لما رأى ما في دولة الظاهر (١) من التقلبات، ورفع الأسافل ووضع الأعالي، وانقلاب الزمان، وتقلب الدهر: لعمري لقد باتت هذه الدولة عن الموت في قطع اللذات.

وقال لي: إنه كان في باب البريد من جامع دمشق معبّر أعمى، فجاءه شخص يوما فقال: رأيت في المنام أني أكلت رمانة. فقال: الله! رمانة، وشرع يكرر ذلك ويوهمه أن في هذا أمرا عظيما، حتى زاد تشوف نفس الرائي إلى معرفة تأويله، ثم قال له: هات.

فما زال به حتى أخذ منه نصف درهم. ثم قال له: هل أكلتها جميعا أو سقط منك شيء؟ فقال: بل جميعها. فقال: الله الله! وأعاد ما فعل أولا. ثم قال: هات. فأخذ منه ربع درهم. ثم قال له: ما قال المعبرون في تأويل ذلك. ثم لبث برهة، وسأل هل مضى السائل؟ فقيل نعم. فقال: ما أسقع لحيته؟ رمانة لو أكلها في اليقظة اشتراها بفلس قامت عليه في المنام بثلاثة أرباع درهم.

وقال لي: إنه لما ولي المستعين بالله العباس (٢) من السلطنة-وكانت ولايته في صفر سنه خمس عشرة وثمانمائة-قيل: عباس بن محمد يحكم في صفر، وحسبت حروف ذلك بالجمّل وجمعت فكانت كعدة السنة التي ولي فيها، وكذا حروف خليفة ملك، فأخبر المستعين بذلك. وقيل: رجع الأمر إلى ما كان عليه واستراح الناس من دولة العجم. فلم يمض على ذلك إلا يسير حتى قبض عليه وسجن حتى مات.

[ومات فجأة سابع شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثمانمائة بالقاهرة] (٣)


(١) هو: جقمق بن عبد الله العلائي الظاهري.
(٢) هو: العباس بن محمد بن أبي بكر، أبو الفضل. بويع بالخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان وثمانمائة. ثم ولي السلطنة مضافة للخلافة في المحرم سنة خمس عشرة. مات شهيدا بالطاعون في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. انظر: الضوء اللامع ٤/ ١٩ - ٢٠؛ تاريخ الخلفاء، ص ٥٧٥ - ٥٧٨.
(٣) ما بين الحاصرتين إضافة من المعجم الصغير، ص ١٦٢. وانظر أيضا: الضوء اللامع ٥/ ٣٧؛ حوادث الزمان ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>