للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رفيقه اتركه لا يجرحك، وطال أيضا على الأسد وقوفه على الأرض؛ فطلع إلى دكان الشيخ علىّ وربض بها، فصارت رجلاه وعجزه في الدكان ويداه على كتفيه، وهو معانق له يحن إليه والشيخ علىّ يملّس على الأسد، ثم رفع الشيخ يد الأسد عن كتفه، وقال له:

نعمة ورفعة، فأخذه السبّاعون وذهبوا.

ثمّ شاهدت مرة أخرى السبّاعين أتوا بأسد من الجانب الذي تجاه دكانه، كأنهم يريدون أن يبعدوا بالأسد عنه ليعموا عليه أمره فينساه، فشرع يجذبهم إلى جهته جذبا منكرا وهم يسحبونه بالسلاسل إلى خلف، وهو لا يزاد إلا قوة في الجذب ويتقدم، فلما قرب منه صاح عليهم الناس ليطلقوه، ففعلوا، فأسرع الذهاب إليه واعتنقه وشرع يحن حنينا أقوى من الأول، فسألت الثقات المتثبتين من جيرانه في السوق الذين جاوروه نيفا وعشرين سنة عن دينه، فأخبروني: أنه يلازم الصلاة في أول وقتها مع الجماعة، وأنه كثير الذكر وأن ذكره تحن إليه القلوب وتخشع عند سماعه النفوس، ثم سمعت ذكره فوجدته لعمري كذلك، لا يظهر عليه تغير بكثرة اجتماع الناس، ولا يقلقهم. وأخبروني أنه إذا باع بيعة بدرهم ونصف، وأخرى بثلاثة أرباع مثلا، يسألهم أن يحسبوا له ذلك لعدم معرفته به، وأنه شديد الانقباض عن الناس، وفي خلقه حده، فكانوا في أوائل سكناه عندهم يثقلون عليه بالكلام فيتبرم منهم، وتظهر عليه تلك الحدة، فنسبوه إلى الجنون، وأنهم لم يروا عليه ما ينكر في بيع ولا غيره، ولا جربوا عليه كذبة.

فاجتمعت به وسألته الدعاء؛ فدعا لي دعاء منه: أن اللّه تعالى يؤيدني من فضله.

وسأله شخص بحضرتي عن رأس ماله، فقال: سبعة دراهم ونصف يعنى فلوسا، والذي في دكانه شاهد بذلك، فأعطيته قطعة فضة بنحو الاثني عشر فأخذه، وأخبرت بعد ذلك أن ناسا أعطوه فلم يقبل منهم، وأنه لما أخذ منى كان عليه ديّن صرفه فيه.

دعوته إلى مسجدى فأبى، فقلت له الحديث الذي فيه: «لو دعيت إلى كراع لأجبت». وقيل له أنى لست من أهل الدنيا؛ بل منقطع إلى اللّه تعالى اشتغل بالعلم فأجاب، وأطعمته فأكل عندي، وسألته عن نسبه، فأملاه علىّ. وسألته عن سبب مجيء السباع إليه في السنة المذكورة مع طول إقامته قبل ذلك بالقاهرة ولم يأتوه. فأخبرني وهو يظهر كراهة عليه الإخبار بذلك، أنه تقاول مع امرأة له فلعنت والديه، فقال لها: لا تلعنى، فإن بعض أجدادي كان يركب الأسد، وطلقها. وزاد أذى جيرانه في السوق له فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>