لبعضهم: كف عنى وإلا ربطت لك الأسد هنا. فاستخفوا به، فلما مرّ عليه الأسد قال له:
تعال. فجاءه. ثمّ صار كلما مرّ أسد دعاه فيجيء، ثمّ صاروا يأتونه بلا دعاء.
وهو شيخ منور، عليه سكينة، كثير التواضع والهضم لنفسه، والإظهار لمن يجتمع به أنه في بركة أهل العلم ونحو ذلك من الكلام، ولا يخلو من بله غير قليل. وشرع غالب العامة ومن في معناهم من الطلبة يتوقفون في أمره وينكرون عليه إظهار هذا الأمر، أو حكايته له في بعض الأوقات مع مبادرتهم إلى اعتقاد من يزينه لهم إبليس؛ ممن يكشف عورته ويتكلم بالهذيان، ولا ينكرون عليه لعمري صريح المعاصي؛ بل يعتذرون عنه بأنه يخرب على نفسه، يعنون أنه يفعل ما يغطى به أمر ولايته. ولهم في مثل هذا أحوال شديدة النكارة منابذة لشرائع الإسلام، ولا سيما إن خلط هذيانه بما يدل على كشف بل ولو لم يكن في كلامه ذلك، فإنهم يصرفونه إليه، ويرتكبون فيه التآويل البعيدة، ولا شك أن هذا إذا كان مقصودا له يمكن أن يكون من الشياطين باستراق السمع أو نحو ذلك. وأما حذّاق الطلبة الذين جملهم اللّه بنور العلم فلم أر أحد منهم يشك في صلاحه. فكان توقف المحجوبين بظلمات الجهل فيه، واعتقاد أولى البصائر من الأدلة على خيره، نفعنا اللّه وإياكم ببركات الصالحين أجمعين. وحمل السكن بعض الناس أن سأله التوجه معه إلى زاوية كنفوش وأدخله إلى الأسد الذي بها، ورأيته أنا-وهو كبير-فصنع معه من المعانقة والخضوع ما صنع غيره، وشاع الخبر بذلك. وممن حدثني به الشيخ على نفسه.
ثم صار الناس بعد ذلك يجتمعون عليه وهو في دكانه، ويزدحمون حتى يتضرر بذلك ويسألهم التفرق عنه، ويقول لهم إنه بطال، ونحو ذلك من العبارات التي يريد بها تزهيديهم فيه. ثم أخبرني بعض أصحابي من طلبة العلم: أن شخصا من جيران الشيخ علىّ حكى أنه سمع بقوله لزوجته عن ركوب بعض أجداده السبع في حين مقاولتهما. ثم أخبرني غير واحد ممن أثق به من جيرانه في السوق، منهم الذي كانت المقاولة معه أن الشيخ علىّ قال لهم ذلك، كما حكى لي وحلف لي بعضهم على ذلك باللّه وبالطلاق من زوجته، وقالوا: إن شخصا منهم كثير المزاح رصد الأسد حتى مرّ عليه، وقال له: يا شيخ علىّ هذا السبع قل له يجئ إليك؛ فقال له: تعال. وأشار إلى الأسد فجاء. قالوا:
فتعجبنا من ذلك ولكن لم يبلغ منا مبلغا كبيرا، وصار بعضنا يقول: هذا الأسد مربوط الفم، يدعو غيره. فصار كلما مرّ أسد دعاه فيجيء وأفواههم محلولة، فخضعنا جميعا