للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورحل إلى القاهرة سنة ثلاث وثمانمائة في الفتنة التمرية، وسمع بها الحديث على السراج ابن الملقن وغيره. وحج سنة خمس عشرة وثمانمائة. وولى كتابة السر بحماه عن المستعين باللّه أمير المؤمنين في حدود سنة خمس عشرة، ثم ولى كتابة سر طرابلس من نوروز (١) في السنة، وحضر في قلعة دمشق مع نوروز في تلك السنة وجرى له محنة مع القاضي ناصر الدين بن البارزدى؛ وهو أنه تطلبه ليقتله فاعمل الحيل وهو سلّمه اللّه منه، ثم هرب في البحر وأسره الفرنج الكيتلان، فأقام معهم نحو أربعين يوما، ثم احتال عليهم وخلّص نفسه وبعض المسلمين الأسرى عندهم. وقصد القاهرة فأقام بها إلى أن توفى المؤيد فولى عن المؤيد كتابة السر بطرابلس؛ وكان كاتب السر بالقاهرة إذ ذاك علم الدين بن الكويز، ثم عزل عن قرب، فقصد القاهرة وأقام بها إلى أن ولى قضاء المالكية بطرابلس عن الأشرف برسباى، ثم انتقل إلى نظر الجيش بحلب فأقام بها إلى أن طلب منه مال فامتنع، فعزل، فقصد القاهرة فأرسل إليه بتوليته قضاء المالكية بحماه وهو في الطريق في سعسع من بلاد الشام، وذلك سنة خمس وثلاثين، ثم عزل منها سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. ونظم الشعر، منه مرثية للشيخ تاج الدين بن الغرابيلى، أولها:

تشتت شملي بعد جمع وألفة … فوا غربتي من بعدهم وتشتتى

عدمت حبيبا غاب عنى جماله … فدمعى عليه لا يفارق مقلتى

وحاشا لذاك الجسم يدفن في الثرى … وحاشا لذاك الوجه يدعى بميتة

لا زلت أسمع عن هذا الرجل الغرائب والعجائب في المكر والخداع وسرعة البديهة في الاختيار، حتى لقيته في القاهرة في سنة أربعين وثمانمائة، فجالسته وظهر لي من حاله كثرة المجازفة فقل الوثوق بقوله. كان العلامة الحافظ تاج الدين ابن الغرابيلى يعظمه في الحيل، ويقول هو والقاضي ناصر الدين البوصيري صاحبه فرد الزمان في هذا الباب.

ويظهر لي من قرائن أحواله أن لسانه يقصر عن أوصافهما في المكر والخداع.

وأخبرني الشيخ تاج الدين عن الناسخ (٢): أنه لما أراد الهروب من قلعة دمشق بعد تسليم نوروز لها إلى المؤيد، لقيه شخص من أخصاء ابن البارزى في باب القلعة، وذلك


(١) هو: نوروز الحافظي الظاهري برقوق، كان من مماليك برقوق وتدرج في المناصب إلى أن قتل في ربيع الآخر سنة سبع عشرة. انظر: الضوء اللامع ١٠/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٢) يقصد بذلك المترجم له.

<<  <  ج: ص:  >  >>