الشخص يعلم تطلب ابن البارزى له، فبدره علاء الدين بأن قال: أسأل اللّه تعالى أن يكون للقاضي ناصر الدين البارزى ما أقر احتماله وحلمه. اجتمعت به وقبلت يده، فصفح عنى وأكرمني ببعض التحف، وأظهر من الإحسان ما لا مزيد عليه، وشرع يبالغ في الثناء عليه والدعاء له فغالطه لذلك الشخص، فتمت عليه الحيلة وظن صحة ذلك، فلم يعارضه، فلما خرج من باب القلعة علم أنه يطلب، فمشى غير بعيد وأتى إلى شخص من الطباخين، فخلع ثيابه ودفعها إليه، ولبس ثياب الطباخ وتخبأ عنده، فلما وصل ذلك الشخص إلى ابن البارزى أعلمه بقضيته ودعائه له، فقال: لم يبق شئ من هذا اطلبوه، ونادوا أن من أحضره كان له ألف دينار، فطلب، أشد الطلب، فلم يدر مكانه ونجى.
وأخبرني أيضا عنه أنه قال: كنت في مبدأ أمرى ساكنا في بعض المدارس بحلب، وكان هناك شخص أعجمي من أهل العلم والدين فرآني أكلم بعض المرد، فأنكر على، قال: ولم يكن في المدرسة لنا ثالث، فقلت له: اسكت. فاستعظم كونى أرد عليه من غير أن يكون لأحد جرأة عليه، فشتمنى وتقدم إلىّ يريد ضربي، فدفعته، فوقع فذهب إلى نائب حلب أو إلى حاجب الحجاب بها-وكان ذا سطوة-يشكوني إليه؛ قال: وهو معظم عندهم، فأيقنت بالإهانة، فاستعرت من بعض أصحابي ما كبّرت به عمامتي وما لبسته من الثياب وكتبا مجلدة نحو أربع مجلدات وجلست انتظر ما يكون. وإذا الطلب قد جاءني، فأخذت الكتب في كمي وذهبت فوجدته جالسا مع الأمير في مقعده، فصعدت إلى ذلك المكان وجلست إلى جانبه، فاستعظم ذلك وقال: يا فاعل تجلس في هذا المكان؟!. فقلت: نعم، العلم ما هو بالجاه يا أمير المؤمنين-أطال اللّه بقاءك-تنازعت أنا والشيخ في مسألة فقال لي: النظر إلى الأمر ويجوز، فقلت له: الشيخ محيي الدين قال إنه لا يجوز، وهذا النقل بذلك، فشرع يستفهم منى استفهام منكر. فقلت: نعم، وقع هذا النقل وقد أحضرته، فقام الأمير واقفا وقال: الفقهاء فلتهم (١) كثير. ودخل إلى بيته، فانصرفت بغير سوء، وكان الشيخ يترقع.
قال: ثم تنقلت بي الأحوال إلى أن رأيته في طرابلس، فذكر قضاتها أنهم متضررون منه في الجلوس فوقهم، وشدة الإنكار عليهم عند المؤيد شيخ لما كان نائبها، فقلت: إن جعلتم لي جعلا أزحته عنكم من هذه البلدة. فاستعظموا ذلك على. فقلت: ما يضركم ما تفدوننى به. فوعدونى كل منهم بشئ، فقلت: عجلوا لي من ذلك بعمامة وفرجية.