للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحوا من مائة ألف دينار خارجا عن غلال وأعسال وغير ذلك، ومن ثم أخذ أمره فى الانحطاط وصودر غير مرة، وولى الأستادارية مرات ولم ينجح فيها بعد الملك الظاهر، ولا وجد له مخلصا غير الهرب والتسحب والاختفاء. ويتولى عوضه أستادار فيعجز ثم يطلبونه (١) فيولونه ثم يعزل ويضرب ويحصل عليه من الإهانة والبهدلة والنكاية من أعدائه مالا مزيد عليه. أذكر من لفظه أنه صودر تسع عشرة مرة، واحتاج حتى باع حوائج بيته وقماش خيوله بعد بيع أملاكه، ولم يتأخر له غير بقية أوقافه فإنه حلّ غالبها وغالب ما يملك ولزم داره على أقبح صورة، واستمر على ذلك إلى أن صادره الملك الأشرف أبو النصر قايتباى - عز نصره - أول مرة وثانية وهو معذور فيه فإنه يدعى فقرا.

وعمر بداره - وهو بطال - حماما عظيما وكذلك ببولاق، وفى الثانية حبسه بالبرج من قلعة الجبل وطلب المال فلم يوزن شيئا فأجرى عليه العقوبة إلى أن أشرف على التلف، وحمل إلى البرج المذكور فدام عليلا يتداوى إلى أن مات فى يوم الخميس ثامن عشرى شهر ربيع الأول وقد جاوز الثمانين من العمر.

وكان - عفا الله عنه - له سماط عظيم إلى الغاية والنهاية يجمع فيه بين الأوز والدجاج واللحم الضائى والبورى والبطارخ والقشطة والكركى وأمثال ذلك، وكان أكولا يحب من يأكل عنده، وتمتع بملاهى الدنيا المغرورة وقضى نحبه ولحق بربه، وكان قد أخرب دور أمر المدّركين والفلاحين والمباشرين، وأتلف خلقا من المفسدين وأرباب الجرائم وغيرهم، وقال الجمال يوسف بن تغرى بردى المؤرخ فى تاريخه عنه: «كان زين الدين هذا غالب أحواله بالضد طرفى نقيض الشئ وعكسه، وهو أنه عاش أول أمره فى بحبوحة


(١) فى الأصل «يطلبوه فيولوه».

<<  <  ج: ص:  >  >>