مكس مثلا ألف دينار وخرجوا ليوزنوه يطلبهم ويقول لهم:«أنتم تعلمون أنى مغصوب فى هذه الوظيفة، تروا أنى أدفع لكم من هذه الألف مائة دينار وأكثر أو أقل وتبروا ذمتى [١٥٦ ا] مما تزنوه وتأذنوا لى فى صرفه؟» فيجيبوه من طيب قلب وانشراح صدر: «أذنّا ورضينا» ويدعون له؛ وكذا صنع مع المرتبين فى صرف معاليمهم شيئا مارأوه فى زمن من كان قبله حتى صاروا يعدوا أنفسهم أنهم فى المنام، وآخر الأمر غرم من ماله أكثر من مائة ألف دينار واقترض من الأتابك ومن الدوادار الكبير ومن التجار، وكسب الثناء والدعاء وما خاب من دعى له، والله تعالى يحفظه على المسلمين.
ولقد تأسف بعض الناس على ابن المقسى وحزنوا عليه حزنا شديدا حتى أعداؤه، وما أحسن من قال:
رثى له الشامت مما به … ياويح من يرثى له الشامت
غير أنهم أيضا ذكروا عنه أنه سئ المعاملة جدا ومعلوم أن المعاملة هى الدين، وأنه إذا ابتاع شيئا لا يقول فى نفسه إلا أنه ملكه ولا يدفع ثمنه إلا لمن له جاه أو صولة أو شوكة، أما الضعفاء والفقراء والمرتبون الخاص فنهاية ما عنده كتابة الوصولات ويكتب بخطه بالصرف على كل وصول نحو العشر مرات ولا يصرف لهم شيئا، وغالبهم يضيع وصوله، وغالبهم يتعب، وغالبهم يترك، والنادر من يتجوه بأحد حتى يصل إلى بعض شئ.
وله المملوك والمماليك الحسان يركبون الخيول الخاص والسروج الذهب والأقمشة الملونة من الديباج والحرير والصوف والسمور، وكذا العبيد الحبوش، وفى خدمته شخص يسمى ابن الصناج دواداره يلبس كل بدلة بمائة دينار،