ولهذا خلق الله عزَّ وجلَّ النوع الإنساني أربعة أقسام:
أحدها: من خلقه لا من ذكر ولا أنثى، وهو أبوهم آدم.
الثاني: من خلقه من ذكر بلا أنثى، وهي حواء خلقها الله من ضلع آدم.
الثالث: من خلقه من أنثى بلا ذكر، كخلق المسيح عيسى ابن مريم.
الرابع: من خلقه من ذكر وأنثى، وهم سائر النوع الإنساني.
وذلك كله ليدل عباده على كمال قدرته، وكمال حكمته، ونفوذ مشيئته، وأن الأمر ليس كما يظنه الكافرون به الجاحدون له، من أن ذلك أمر طبيعي.
والطبيعة مخلوق من مخلوقاته، وعبد من عبيده، مسخرة لأمره، منقادة لمشيئته، لا تخلق ولا تفعل، ولا تتصرف في ذاتها ونفسها، فضلاً عن إسناد الكائنات إليها.
فتنوع المخلوقات واختلافها، من لوازم الحكمة والربوبية والألوهية، وهو أيضاً من موجبات الحمد، فلله الحمد على ذلك كله أكمل حمد وأتمه.
وأيضاً فإن مخلوقاته هي موجبات أسمائه وصفاته، فلكل اسم وصفة أثر لا بد من ظهوره فيه.
وتنويع أسباب الحمد أمر مطلوب للرب محبوب له، فكما تنوعت أسباب الحمد تنوع الحمد بتنوعها، وكثر بكثرتها.
والله تبارك وتعالى محمود على انتقامه من أهل الإجرام والإساءة .. كما هو محمود على إكرامه لأهل العدل والإحسان، فهو محمود على هذا .. ومحمود على ذلك ..
وهو سبحانه المحمود على حلمه بعد علمه .. المحمود على عفوه ومغفرته .. المحمود على عفوه عن كثير من جنايات العبيد كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠].
فنبه سبحانه باليسير من عقابه وانتقامه على الكثير الذي عفا عنه، وأنه لو عاجلهم بعقبوته، وأخذهم بحقه لقضي إليهم أجلهم، ولما ترك على ظهرها من