وقال: ليس لنا إلا هذه المدة اليسيرة، فإن هجرنا اللذات، وتركنا الشهوات، وتكلفنا أثقال العبادات، وكنا مع ذلك على غير ثقة منه أن يقلب علينا الإيمان كفراً، والتوحيد شركاً، والطاعة معصية، والبر فجوراً، ويديم علينا العقوبات كنا خاسرين في الدنيا والآخرة.
فإذا استحكم هذا الاعتقاد في قلوبهم، وتخمر في نفوسهم، صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر اللذات، بمنزلة من يقول لولده: معلمك إن أحسنت وأطعته ربما عاقبك، وإن أسأت وعصيته ربما أكرمك. فيودع في قلبه ما لا يثق بعده إلى وعيد المعلم على الإساءة، ولا على وعده على الإحسان.
وإن كبر الصبي وصلح للمناصب قال له: هذا سلطان بلدنا يأخذ اللص من الحبس، فيجعله وزيراً أو أميراً، ويأخذ المحسن المتقي، فيخلده في الحبس أو يقتله.
فإذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه، وجعله على غير ثقة من وعده ووعيده، وأزال محبته من قلبه، وجعله يخافه مخافة الظالم الذي يأخذ المحسن بالعقوبة، والبريء بالعذاب.
فانظر إلى جناية الجهل وأهله، وإلى ما حصل بها وبهم من الفساد وترك العمل، وبغض الدين عند من وقع في شراك هؤلاء؟
وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا؟
ولو اجتهد الكفار والملاحدة على تبغيض الدين للناس، والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا.
وهذا الصنف من الناس يظن أنه يقرر التوحيد والقدر، ويرد على أهل البدع، وينصر الدين.
ولو علم هؤلاء أن كتب الله المنزلة كلها .. ورسله كلهم .. شاهدة بضد ذلك .. ولا سيما القرآن .. لعلموا أنهم ليسوا على شيء .. وأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون .. وينفرون الناس من دين الله أكثر مما يجمعون.