ولو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه، لصلح العالم صلاحاً لا فساد معه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)} [يوسف: ١٠٨].
فالله سبحانه قد أخبر في كتابه، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم، ويجازيهم بأعمالهم، ولا يخاف المحسن لديه ظلماً ولا هضماً، ولا يخاف بخساً ولا رهقاً، ولا يضيع عمل محسن أبداً، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة ولا يظلمها كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)} [النساء: ٤٠].
ويجزي سبحانه بالحسنة عشر أمثالها، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، ويجزي السيئة بمثلها كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠)} [الأنعام: ١٦٠].
وهو سبحانه الحكيم العليم الذي هدى الضالين .. وأصلح الفاسدين .. وأنقذ الجاهلين .. وآوى الشاردين .. وتاب على المذنبين .. وعلَّم الجاهلين ..
وإذا أوقع عذاباً أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه، ودعوة العبد إلى الرجوع إليه مرة بعد مرة، حتى إذا أيس من استجابته أخذه ببعض كفره، بحيث يعذر العبد من نفسه، ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه، وأنه هو الظالم لنفسه كما قال سبحانه عن أهل النار: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)} [الملك: ١١].
ولهذا قال الله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)} [الأنعام: ٤٥].
فهذا قطع إهلاك يحمد عليه الرب تعالى، لكمال حكمته وعدله، ووضعه العقوبة في موضعه، الذي لا يليق به غيرها، فلا تليق العقوبة إلا بهذا المحل، ولا يليق به إلا العقوبة.
ولهذا قال سبحانه عقيب إخباره عن الحكم بين عباده يوم القيامة: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ